ويعزره ويوقره ويسبحه وكذلك كونه شَاهِداً بالوحدانية يقتضي الأمور المذكورة وكذلك كونه مُبَشّرًا وَنَذِيرًا لا يقال إن اقتران اللام بالفعل يستدعي فعلاً مقدماً يتعلق به ولا يتعلق بالوصف وقوله لّتُؤْمِنُواْ يستدعي فعلاً وهو قوله إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ فكيف تترتب الأمور على كونه شَاهِداً وَمُبَشّراً لأنا نقول يجوز الترتيب عليه معنى لا لفظاً كما أن القائل إذا قال بعثت إليك عالماً لتكرمه فاللفظ ينبىء عن كون البعث سبب الإكرام وفي المعنى كونه عالماً هو السبب للإكرام ولهذا لو قال بعثت إليك جاهلاً لتكرمه كان حسناً وإذا أردنا الجمع بين اللفظ والمعنى نقول الإرسال الذي هو إرسال حال كونه شاهداً كما تقول بعث العالم سبب جعله سبباً لا مجرد البعث ولا مجرد العالم في الآية مسائل
المسألة الأولى قال في الأحزاب إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً ( الأحزاب ٤٥ ٤٦ ) وههنا اقتصر على الثلاثة من الخمسة فما الحكمة فيه نقول الجواب عنه من وجهين أحدهما أن ذلك المقام كان مقام ذكره لأن أكثر السورة في ذكر الرسول ( ﷺ ) وأحواله وما تقدمه من المبايعة والوعد والدخول ففصل هنالك ولم يفصل ههنا ثانيهما أن نقول الكلام مذكور ههنا لأن قوله شَاهِداً لما لم يقتض أن يكون داعياً لجواز أن يقول مع نفسه أشهد أن لا إلاه إلا الله ولا يدعو الناس قال هناك وداعياً لذلك وههنا لما لم يكن كونه شَاهِداً منبئاً عن كونه داعياً قال لّتُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزّرُوهُ وَتُوَقّرُوهُ وَتُسَبّحُوهُ دليل على كونه سراجاً لأنه أتى بما يجب من التعظيم والاجتناب عما يحرم من السوء والفحشاء بالتنزيه وهو التسبيح
المسألة الثانية قد ذكرنا مراراً أن اختيار البكرة والأصيل يحتمل أن يكون إشارة إلى المداومة ويحتمل أن يكون أمراً بخلاف ما كان المشركون يعملونه فإنهم كانوا يجتمعون على عبادة الأصنام في الكعبة بكرة ً وعشية فأمروا بالتسبيح في أوقات كانوا يذكرون فيها الفحشاء والمنكر
المسألة الثالثة الكنايات المذكور في قوله تعالى وَتُعَزّرُوهُ وَتُوَقّرُوهُ وَتُسَبّحُوهُ راجعة إلى الله تعالى أو إلى الرسول عليه الصلاة والسلام والأصح هو الأول
إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً
لما بيّن أنه مرسل ذكر أن من بايعه فقد بايع الله وقوله تعالى يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ يحتمل وجوهاً وذلك أن اليد في الموضعين إما أن تكون بمعنى واحد وإما أن تكون بمعنيين فإن قلنا إنها بمعنى واحد ففيه وجهان أحدهما يَدُ اللَّهِ بمعنى نعمة الله عليهم فوق إحسانهم إلى الله كما قال تعالى بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلاْيمَانِ ( الحجرات ١٧ ) وثانيهما يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ أي نصرته إياهم أقوى وأعلى من نصرتهم إياه يقال اليد لفلان أي الغلبة والنصرة والقهر وأما إن قلنا إنها بمعنيين فنقول في حق الله تعالى


الصفحة التالية
Icon