بمعنى الحفظ وفي حق المبايعين بمعنى الجارحة واليد كناية عن الحفظ مأخوذ من حال المتبايعين إذا مد كل واحد منهما يده إلى صاحبه في البيع والشراء وبينهما ثالث متوسط لا يريد أن يتفاسخا العقد من غير إتمام البيع فيضع يده على يديهما ويحفظ أيديهما إلى أن يتم العقد ولا يترك أحدهما يترك يد الآخر فوضع اليد فوق الأيدي صار سبباً للحفظ على البيعة فقال تعالى يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ يحفظهم على البيعة كما يحفظ ذلك المتوسط أيدي المتبايعين وقوله تعالى فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ أما على قولنا المراد من اليد النعمة أو الغلبة والقوة فلأن من نكث فوت على نفسه الإحسان الجزيل في مقابلة العمل القليل فقد خسر ونكثه على نفسه وأما على قولنا المراد الحفظ فهو عائد إلى قوله إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يعني من يبايعك أيها النبي إذا نكث لا يكون نكثه عائداً إليك لأن البيعة مع الله ولا إلى الله لأنه لا يتضرر بشيء فضرره لا يعود إلا إليه قال وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً وقد ذكرنا أن العظم في الأجرام لا يقال إلا إذا اجتمع فيه الطول البالغ والعرض الواسع والسمك الغليظ فيقال في الجبل الذي هو مرتفع ولا اتساع لعرضه جبل عال أو مرتفع أو شاهق فإذا انضم إليه الاتساع في الجوانب يقال عظيم والأجر كذلك لأن مآكل الجنة تكون من أرفع الأجناس وتكون في غاية الكثرة وتكون ممتدة إلى الأبد لا انقطاع لها فحصل فيه ما يناسب أن يقال له عظيم والعظيم في حق الله تعالى إشارة إلى كماله في صفاته كما أنه في الجسم إشارة إلى كماله في جهاته
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الاٌّ عْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً
لما بيّن حال المنافقين ذكر المتخلفين فإن قوماً من الأعراب امتنعوا عن الخروج مع رسول الله ( ﷺ ) لظنهم أنه يهزم فإنهم قالوا أهل مكة يقاتلون عن باب المدينة فكيف يكون حالهم إذا دخلوا بلادهم وأحاط بهم العدو فاعتذروا وقولهم شَغَلَتْنَا أَمْوالُنَا وَأَهْلُونَا فيه أمران يفيدان وضوح العذر أحدهما ( قولهم ) أَمْوَالِنَا ولم يقولوا شغلتنا الأموال وذلك لأن جمع المال لا يصلح عذراً ( لأنه ) لا نهاية له وأما حفظ ما جمع من الشتات ومنع الحاصل من الفواتت يصلح عذراً فقالوا شَغَلَتْنَا أَمْوالُنَا أي ما صار مالاً لنا لا مطلق الأموال وثانيهما قوله تعالى وَأَهْلُونَا وذلك لو أن قائلاً قال لهم المال لا ينبغي أن يبلغ إلى درجة يمنعكم حفظه من متابعة الرسول ( ﷺ ) لكان لهم أن يقولوا فالأهل يمنع الاشتغال بهم وحفظهم عن أهم الأمور ثم إنهم مع العذر تضرعوا وقالوا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يعني فنحن مع إقامة العذر معترفون بالإساءة فاستغفر لنا واعف عنا في أمر الخروج فكذبهم الله تعالى فقال يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ وهذا


الصفحة التالية
Icon