الرسول لا يكون إلا بقول المرسل فإذا قال ملك هذا رسولي لو أنكر كل من في الدنيا أنه رسول فلا يفيد إنكارهم فقال تعالى أي خلل في رسالته بإنكارهم مع تصديقي إياه بأنه رسولي وقوله مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ فيه وجوه أحدها خبر مبتدأ محذوف تقديره هو محمد الذي سبق ذكره بقوله أَرْسَلَ رَسُولَهُ ورسول الله عطف بيان وثانيها أن محمداً مبتدأ خبره رسول الله وهذا تأكيد لما تقدم لأنه لما قال هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ ولا تتوقف رسالته إلا على شهادته وقد شهد له بها محمد رسول اللهمن غير نكير وثالثها وهو مستنبط وهو أن يقال مُحَمَّدٌ مبتدأ و رَسُولِ اللَّهِ عطف بيان سيق للمدح لا للتمييز وَالَّذِينَ مَعَهُ عطف على محمد وقوله أَشِدَّاء خبره كأنه تعالى قال وَالَّذِينَ مَعَهُ جميعهم أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ لأن وصف الشدة والرحمة وجد في جميعهم أما في المؤمنين فكما في قوله تعالى أَذِلَّة ٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّة ٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ( المائدة ٥٤ ) وأما في حق النبي ( ﷺ ) فكما في قوله وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ( التوبة ٧٣ ) وقال في حقه بِالْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ ( التوبة ١٢٨ ) وعلى هذا قوله تَرَاهُمْ لا يكون خطاباً مع النبي ( ﷺ ) بل يكون عاماً أخرج مخرج الخطاب تقديره أيها السامع كائناً من كان كما قلنا إن الواعظ يقول انتبه قبل أن يقع الانتباه ولا يريد به واحداً بعينه وقوله تعالى يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً لتمييز ركوعهم وسجودهم عن ركوع الكفار وسجودهم وركوع المرائي وسجوده فإنه لا يبتغي به ذلك وفيه إشارة إلى معنى لطيف وهو أن الله تعالى قال الراكعون والساجدون لِيُوَفّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ ( فاطر ٣٠ ) وقال الراكع يبتغي الفضل ولم يذكر الأجر لأن الله تعالى إذا قال لكم أجر كان ذلك منه تفضلاً وإشارة إلى أن عملكم جاء على ما طلب الله منكم لأن الأجرة لا تستحق إلا على العمل الموافق للطلب من المالك والمؤمن إذا قال أنا أبتغي فضلك يكون منه اعترافاً بالتقصير فقال يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ اللَّهِ ولم يقل أجراً
وقوله تعالى سِيمَاهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ السُّجُودِ فيه وجهان أحدهما أن ذلك يوم القيامة كما قال تعالى يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ ( آل عمران ١٠٦ ) وقال تعالى نُورُهُمْ يَسْعَى ( التحريم ٨ ) وعلى هذا فنقول نورهم في وجوههم بسبب توجههم نحو الحق كما قال إبراهيم عليه السلام إِنّى وَجَّهْتُ الْعَالِمُونَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ ( الأنعام ٧٩ ) ومن يحاذي الشمس يقع شعاعها على وجهه فيتبين على وجهه النور منبسطاً مع أن الشمس لها نور عارضي يقبل الزوال والله نور السماوات والأرض فمن يتوجه إلى وجهه يظهر في وجهه نور يبهر الأنوار وثانيهما أن ذلك في الدنيا وفيه وجهان أحدهما أن المراد ما يظهر في الجباه بسبب كثرة السجود والثاني ما يظهره الله تعالى في وجوه الساجدين ليلاً من الحسن نهاراً وهذا محقق لمن يعقل فإن رجلين يسهران بالليل أحدهما قد اشتغل بالشراب واللعب والآخر قد اشتغل بالصلاة والقراءة واستفادة العلم فكل أحد في اليوم الثاني يفرق بين الساهر في الشرب واللعب وبين الساهر في الذكر والشكر
وقوله تعالى ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِى التَّوْرَاة ِ فيه ثلاثة أوجه مذكورة أحدها أن يكون ذالِكَ مبتدأ و مَثَلُهُمْ فِى التَّوْرَاة ِ وَمَثَلُهُمْ فِى الإنجِيلِ خبراً له وقوله تعالى كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ خبراً مبتدأ محذوف تقديره ومثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع وثانيها أن يكون خبر ذلك هو قوله مَثَلُهُمْ فِى التَّوْرَاة ِ وقوله وَمَثَلُهُمْ فِى الإنجِيلِ مبتدأ وخبره كزرع وثالثها أن يكون ذلك إشارة غير معينة أوضحت


الصفحة التالية
Icon