ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِى ِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ
لاَ تُقَدّمُواْ ( الحجرات ١ ) نهي عن فعل ينبىء عن كونهم جاعلين لأنفسهم عند الله ورسوله بالنسبة إليهما وزناً ومقداراً ومدخلاً في أمر من أوامرهما ونواهيهما وقوله لاَ تَرْفَعُواْ نهي عن قول ينبىء عن ذلك الأمر لأن من يرفع صوته عند غيره يجعل لنفسه اعتباراً وعظمة وفيه مباحث
البحث الأول ما الفائدة في إعادة النداء وما هذا النمط من الكلامين على قول القائل عَظِيماً ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَى ِ اللَّهِ ( الحجرات ١ ) و لاَ تَرْفَعُواْ أَصْواتَكُمْ نقول في إعادة النداء فوائد خمسة منها أن يكون في ذلك بيان زيادة الشفقة على المسترشد كما في قول لقمان لابنه يَعِظُهُ يابُنَى َّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ ( لقمان ١٣ ) تَعْمَلُونَ يابُنَى َّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّة ٍ ( لقمان ١٦ ) لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً أَقِمِ الصَّلَواة َ ( لقمان ١٧ ) لأن النداء لتنبيه المنادى ليقبل على استماع الكلام ويجعل باله منه فإعادته تفيد ذلك ومنها أن لا يتوهم متوهم أن المخاطب ثانياً غير المخاطب أولاً فإن من الجائز أن يقول القائل يا زيد افعل كذا وقل كذا يا عمرو فإذا أعاده مرة أخرى وقال يا زيد قل كذا يعلم من أول الكلام أنه هو المخاطب ثانياً أيضاً ومنها أن يعلم أن كل واحد من الكلامين مقصود وليس الثاني تأكيداً للأول كما تقول يا زيد لا تنطق ولا تتكلم إلا بالحق فإنه لا يحسن أن يقال يا زيد لا تنطق يا زيد لا تتكلم كما يحسن عند اختلاف المطلوبين وقوله تعالى لاَ تَرْفَعُواْ أَصْواتَكُمْ يحتمل وجوهاً أحدها أن يكون المراد حقيقته وذلك لأن رفع الصوت دليل قلة الاحتشام وترك الاحترام وهذا من مسألة حكمية وهي أن الصوت بالمخارج ومن خشي قلبه ارتجف وتضعف حركته الدافعة فلا يخرج منه الصوت بقوة ومن لم يخف ثبت قلبه وقوي فرفع الهواء دليل عدم الخشية ثانيها أن يكون المراد المنع من كثر الكلام لأن من يكثر الكلام يكون متكلماً عن سكوت الغير فيكون في وقت سكوت الغير لصوته ارتفاع وإن كان خائفاً إذا نظرت إلى حال غيره فلا ينبغي أن يكون لأحد عند النبي ( ﷺ ) كلام كثير بالنسبة إلى كلام النبي ( ﷺ ) لأن النبي عليه الصلاة والسلام مبلغ فالمتكلم عنده إن أراد الإخبار لا يجوز وإن استخبر النبي عليه السلام عما وجب عليه البيان فهو لا يسكت عما يسأل وإن لم يسأل وربما يكون في السؤال حقيدة برد جواب لا يسهل على المكلف الإتيان به فيبقى في ورطة العقاب ثالثها أن يكون المراد رفع الكلام بالتعظيم أي لا تجعلوا لكلامكم ارتفاعاً على كلام النبي ( ﷺ ) في الخطاب كما يقول القائل لغيره أمرتك مراراً بكذا عندما يقول له صاحبه مرني بأمر مثله فيكون أحد الكلامين أعلى وأرفع من الآخر والأول أصح والكل يدخل في حكم المراد لأن المنع من رفع الصوت لا يكون إلا للاحترام وإظهار الاحتشام ومن بلغ احترامه إلى حيث تنخفض الأصوات عنده من هيبته وعلو مرتبته لا يكثر عنده الكلام ولا يرجع المتكلم مع في الخطاب وقوله تعالى وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ فيه فوائد


الصفحة التالية
Icon