المسألة الثانية إن قيل قوله لَّوْ تَعْلَمُونَ هل له مفعول أم لا قلنا على الوجه الأول لا مفعول له كما في قولهم فلان يعطي ويمنع وكأنه قال لا علم لكم ويحتمل أن يقال لا علم لكم بعظم القسم فيكون له مفعول والأول أبلغ وأدخل في الحسن لأنهم لا يعلمون شيئاً أصلاً لأنهم لو علموا لكان أولى الأشياء بالعلم هذه الأمور الظاهرة بالبراهين القاطعة فهو كقوله صُمٌّ بُكْمٌ ( الفرقان ٤٤ ) وقوله كَالانْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ وعلى الثاني أيضاً يحتمل وجهين أحدهما لو كان لكم علم بالقسم لعظمتموه وثانيهما لو كان لكم علم بعظمته لعظمتموه
المسألة الثالثة كيف تعلق قوله تعالى لَّوْ تَعْلَمُونَ بما قبله وما بعده فنقول هو كلام اعتراض في أثناء الكلام تقديره وإنه لقسم عظيم لو تعلمون لصدقتم فإن قيل فما فائدة الاعتراض نقول الاهتمام بقطع اعتراض المعترض لأنه لما قال وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ أراد أن يصفه بالعظمة بقوله عظيم والكفار كانوا يجهلون ذلك ويدعون العلم بأمور النجم وكانوا يقولون لو كان كذلك فما باله لا يحصل لنا علم وظن فقال لو تعلمون لحصل لكم القطع وعلى ما ذكرنا الأمر أظهر من هذا وذلك لأنا قلنا إن قوله لاَ أُقْسِمُ معناه الأمر واضح من أن يصدق بيمين والكفار كانوا يقولون أين الظهور ونحن نقطع بعدمه فقال لو تعلمون شيئاً لما كان كذلك والأظهر منه أنا بينا أن كل ما جعله الله قسماً فهو في نفسه دليل على المطلوب وأخرجه مخرج القسم فقوله وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ معناه عند التحقيق وإنه دليل وبرهان قوي لو تعلمون وجهه لاعترفتم بمدلوله وهو التوحيد والقدرة على الحشر وذلك لأن دلالة اختصاص الكواكب بمواضعها في غاية الظهور ولا يلزم الفلاسفة دليل أظهر منه وأما المعنوية
فالمسألة الأولى ما المقسم عليه نقول فيه وجهان الأول القرآن كانوا يجعلونه تارة شعراً وأخرى سحراً وغير ذلك وثانيهما هو التوحيد والحشر وهو أظهر وقوله لَقُرْءانٌ ابتداء كلام وسنبين ذلك
المسألة الثانية ما الفائدة في وصفه بالعظيم في قوله وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ فنقول لما قال فَلاَ أُقْسِمُ وكان معناه لا أقسم بهذا لوضوح المقسم به عليه قال لست تاركاً للقسم بهذا لأنه ليس بقسم أو ليس بقسم عظيم بل هو قسم عظيم ولا أقسم به بل بأعظم منه أقسم لجزمي بالأمر وعلمي بحقيقته
المسألة الثالثة اليمين في أكثر الأمر توصف بالمغلظة والعظم يقال في المقسم حلف فلان بالأيمان العظام ثم تقول في حقه يمين مغلظة لأن آثامها كبيرة وأما في حق الله عز وجل فبالعظيم وذلك هو المناسب لأن معناه هو الذي قرب قوله من كل قلب وملأ الصدر بالرعب لما بينا أن معنى العظيم فيه ذلك كما أن الجسم العظيم هو الذي قرب من أشياء عظيمة وملأ أماكن كثيرة من العظم كذلك العظيم الذي ليس بجسم قرب من أمور كثيرة وملأ صدوراً كثيرة
ثم قال تعالى
إِنَّهُ لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ فِى كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ
وفيه مسائل


الصفحة التالية
Icon