من كلام الله تعالى وذلك لأن الله تعالى منعه عن المسجد بصريح قوله وَلاَ جُنُباً ( النساء ٤٣ ) فدل ذلك على أنه ليس أهلاً للذكر لأنه لو كان أهلاً للذكر لما منعه من دخول المسجد لأنه تعالى أذن لأهل الذكر في الدخول بقوله تعالى فِى بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ( النور ٣٦ ) الآية والمأذون في الذكر في المسجد مأذون في دخول المسجد ضرورة فلو كان الجنب أهلاً للذكر لما كان ممنوعاً عن دخول المسجد والمكث فيه وأنه ممنوع عنهما وعن أحدهما وأما المحدث فعلم أنه غير ممنوع عن دخول المسجد فإن من الصحابة من كان يدخل المسجد وجوز النبي ( ﷺ ) نوم القوم في المسجد وليس النوم حدثاً إذ النوم الخاص يلزمه الحكم بالحدث على اختلاف بين الأئمة ومالم يكن ممنوعاً من دخول المسجد لم يثبت كونه غير أهل للذكر فجاز له القراءة فإن قيل وكان ينبغي أن لا يجوز للجنب أن يسبح ويستغفر لأنه ذكر نقول القرآن هو الذكر المطلق قال الله تعالى وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ( الزخرف ٤٤ ) وقال الله تعالى ص وَالْقُرْءانِ ذِى ( ص ١ ) وقوله يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ مع أنا نعلم أن المسجد يسمى مسجداً ومسجد القوم محل السجود والمراد منه الصلاة والذكر الواجب في الصلاة هو القرآن فالقرآن مفهوم من قوله يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ومن حيث المعقول هو أن غير القرآن ربما يذكر مريداً به معناه فيكون كلاماً غير ذكراً فإن من قال أستغفر الله أخبر عن نفسه بأمر ومن قال لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم كذلك أخبر عن أمر كائن بخلاف من قال قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ( الصمد ١ ) فإنه ليس بمتكلم به بل هو قائل له غير آمر لغيره بالقول فالقرآن هو الذكر الذي لا يكون إلا على قصد الذكر لا على قصد الكلام فهو المطلق وغيره قد يكون ذكراً وقد لا يكون فإن قيل فإذا قال ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ( الحجر ٤٦ ) وأراد الإخبار ينبغي أن لا يكون قرآناً وذكراً نقول هو في نفسه قرآن ومن ذكره على قصد الإخبار وأراد الأمر والإذن في الدخول يخرج عن كونه قارئاً للقرآن وإن كان لا يخرج عن كونه قرآناً ولهذا نقول نحن ببطلان صلاته ولو كان قارئاً لما بطلت وهذا جواب فيه لطف ينبغي أن يتنبه له المطالع لهذا الكتاب وذلك من حيث إني فرقت بين أن يقال ليس قول القائل ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ على قصد الإذن قرآناً وبين قوله ليس القائل ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ على غير قصد بقارىء للقرآن وأما الجواب من حيث المعقول فهو أن العبادة على منافاة الشهوة والشهوة إما شهوة البطن وإما شهوة شهوة البطن وإما شهوة الفرج في أكثر الأمر فإن أحداً لا يخلو عنهما وإن لم يشته شيئاً آخر من المأكول والمشروب والمنكوح لكن شهوة البطن قد لا تبقى شهوة بل تصير حاجة عند الجوع وضرورة عند الخوف ولهذا قال تعالى وَلَحْمِ طَيْرٍ مّمَّا يَشْتَهُونَ ( الواقعة ٢١ ) أي لا يكون لحاجة ولا ضرورة بل لمجرد الشهوة وقد بيناه في هذه السورة وأما شهوة الفرج فلا تخرج عن كونها شهوة وإن خرجت تكون في محل الحاجة لا الضرورة فلا يعلم أن شهوة الفرج ليست شهوة محضة والعبادة فيها منضمة للشهوة فلم تخرج شهوة الفرج عن كونها عبادة بدنية قط بل حكم الشارع ببطلان الحج به وبطلان الصوم والصلاة وأما قضاء شهوة البطن فلما لم يكن شهوة مجردة بطل به الصلاة والصوم دون الحج وربما لم تبطل به الصلاة أيضاً إذا ثبت هذا فنقول خروج الخارج دليل قضاء الشهوة البطنية وخروج المني دليل قضاء الشهوة الفرجية فواجب بهما تطهير النفس لكن الظاهر والباطن متحاذيان فأمر الله تعالى بتطهير الظاهر عند الحدث والإنزال لموافقه الباطن والإنسان إذا كان له بصيرة وينظر في تطهير باطنه عند الاغتسال للجنابة فإنه يجد خفة ورغبة في الصلاة والذكر وهنا تتمة لهذه اللطيفة وهي أن قائلاً لو قال لو صح قولك للزم أن يجب الوضوء بالأكل كما يجب


الصفحة التالية
Icon