هُوَ الَّذِى يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ ءَايَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُمْ مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ
قال القاضي بين بذلك أن مراده بإنزال الآيات البينات التي هي القرآن وغيره من المعجزات أن يخرجهم من الظلمات إلى النور وأكد ذلك بقوله وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءوفٌ رَّحِيمٌ ولو كان تعالى يريد من بعضهم الثبات على ظلمات الكفر ويخلق ذلك فيهم ويقدره لهم تقديراً لا يقبل الزوال لم يصح هذا القول فإن قيل أليس أن ظاهره يدل على أنه تعالى يخرج من الظلمات إلى النور فيجب أن يكون الإيمان من فعله قلنا لو أراد بهذا الإخراج خلق الإيمان فيه لم يكن لقوله تعالى هُوَ الَّذِى يُنَزّلُ عَلَى عَبْدِهِ ءايَاتٍ بَيّنَاتٍ لّيُخْرِجَكُمْ معنى لأنه سواء تقدم ذلك أو لم يتقدم فخلقه لما خلقه لا يتغير فالمراد إذن بذلك أنه يلطف بهم في إخراجهم من الظلمات إلى النور ولولا ذلك لم يكن بأن يصف نفسه بأنه يخرجهم من الظلمات إلى النور أولى من أن يصف نفسه بأنه يخرجهم من النور إلى الظلمات
واعلم أن هذا الكلام على خسته وروغته معارض بالعلم وذلك لأنه تعالى كان عالماً بأن علمه سبحانه بعدم إيمانهم قائم وعالماً بأن هذا العلم ينافي وجود الإيمان فإذا كلفهم بتكوين أحد الضدين مع علمه بقيام الضد الآخر في الوجود بحيث لا يمكن إزالته وإبطاله فهل يعقل مع ذلك أن يريد بهم ذلك الخير والإحسان لا شك أن مما لا يقوله عاقل وإذا توجهت المعارضة زالت تلك القوة أما قوله وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءوفٌ رَّحِيمٌ فقد حمله بعضهم على بعثة محمد ( ﷺ ) فقط وهذا التخصيص لا وجه له بل يدخل فيه ذلك مع سائر ما يتمكن به المرء من أداء التكاليف
وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ والأرض لاَ يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَائِكَ أَعْظَمُ دَرَجَة ً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
ثم قال تعالى وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ
لما أمر أولاً بالإيمان وبالإنفاق ثم أكد في الآية المتقدمة إيجاب الإيمان أتبعه في هذه الآية بتأكيد إيجاب الإنفاق والمعنى أنكم ستموتون فتورثون فهلا قدمتموه في الإنفاق في طاعة الله وتحقيقه أن المال لا بد وأن يخرج عن اليد إما بالموت وإما بالإنفاق في سبيل الله فإن وقع على الوجه الأول كان أثره اللعن والمقت والعقاب وإن وقع على الوجه الثاني كان أثره المدح والثواب وإذا كان لا بد من خروجه عن اليد فكل عاقل يعلم أن خروجه عن اليد بحيث يستعقب المدح والثواب أولى منه بحيث يستعقب اللعن والعقاب
ثم لما بين تعالى أن الإنفاق فضيلة بين أن المسابقة في الإنفاق تمام الفضيلة فقال
لاَ يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَة ً مّنَ الَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ وفيه مسائل
المسألة الأولى تقدير الآية لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح ومن أنفق من بعد الفتح كما


الصفحة التالية
Icon