قال لاَ يَسْتَوِى أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّة ِ ( الحشر ٢٠ ) إلا أنه حذف لوضوح الحال
المسألة الثانية المراد بهذا الفتح فتح مكة لأن إطلاق لفظ الفتح في المتعارف ينصرف إليه قال عليه الصلاة والسلام ( لا هجرة بعد الفتح ) وقال أبو مسلم ويدل القرآن على فتح آخر بقوله فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً ( الفتح ٢٧ ) وأيهما كان فقد بين الله عظم موقع الإنفاق قبل الفتح
المسألة الثالثة قال الكلبي نزلت هذه الآية في فضل أبي بكر الصديق لأنه كان أول من أنفق المال على رسول الله في سبيل الله قال عمر ( كنت قاعداً عند النبي ( ﷺ ) وعنده أبو بكر وعليه عباءة قد خللها في صدره بخلال فنزل جبريل عليه الصلاة والسلام فقال مالي أرى أبا بكر عليه عباءة خللها في صدره فقال أنفق ماله علي قبل الفتح )
واعلم أن الآية دلت على أن من صدر عنه الإنفاق في سبيل الله والقتال مع أعداء الله قبل الفتح يكون أعظم حالاً ممن صدر عنه هذان الأمران بعد الفتح ومعلوم أن صاحب الإنفاق هو أبو بكر وصاحب القتال هو علي ثم إنه تعالى قدم صاحب الإنفاق في الذكر على صاحب القتال وفيه إيماء إلى تقديم أبي بكر ولأن الإنفاق من باب الرحمة والقتال من باب الغضب وقال تعالى ( سبقت رحمتي غضبي ) فكان السبق لصاحب الإنفاق فإن قيل بل صاحب الإنفاق هو علي لقوله تعالى وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ ( الإنسان ٨ ) قلنا إطلاق القول بأنه أنفق لا يتحقق إلا إذا أنفق في الوقائع العظيمة أموالاً عظيمة وذكر الواحدي في البسيط أن أبا بكر كان أول من قاتل على الإسلام ولأن علياً في أول ظهور الإسلام كان صبياً صغيراً ولم يكن صاحب القتال وأما أبا بكر فإنه كان شيخاً مقدماً وكان يذب عن الإسلام حتى ضرب بسببه ضرباً أشرف به على الموت
المسألة الرابعة جعل علماء التوحيد هذه الآية دالة على فضل من سبق إلى الإسلام وأنفق وجاهد مع الرسول ( ﷺ ) قبل الفتح وبينوا الوجه في ذلك وهو عظم موقع نصرة الرسول عليه الصلاة والسلام بالنفس وإنفاق المال في تلك الحال وفي عدد المسلمين قلة وفي الكافرين شوكة وكثرة عدد فكانت الحاجة إلى النصرة والمعاونة أشد بخلاف ما بعد الفتح فإن الإسلام صار في ذلك الوقت قوياً والكفر ضعيفاً ويدل عليه قوله تعالى وَالسَّابِقُونَ الاْوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالانْصَارِ ( التوبة ١٠٠ ) وقوله عليه الصلاة والسلام ( لا تسبوا أصحابي فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه )
ثم قال تعالى وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ وفيه مسائل
المسألة الأولى أي وكل واحد من الفريقين وَعَدَ اللَّهُ بِالْحُسْنَى أي المثوبة الحسنى وهي الجنة مع تفاوت الدرجات
المسألة الثانية القراءة المشهورة وَكُلاًّ بالنصب لأنه بمنزلة زيداً وعدت خيراً فهو مفعول وعد وقرأ ابن عامر ( وكل ) بالرفع وحجته أن الفعل إذا تأخر عن مفعوله لم يقع عمله فيه والدليل عليه أنهم قالوا


الصفحة التالية
Icon