قوم من أهل اليمامة فبكوا بكاء شديداً فنظر إليهم فقال هكذا كنا حتى قست القلوب وأما قوله لِذِكْرِ اللَّهِ ففيه قولان الأول أن تقدير الآية أما حان للمؤمنين أن ترق قلوبهم لذكر الله أي مواعظ الله التي ذكرها في القرآن وعلى هذا الذكر مصدر أضيف إلى الفاعل والقول الثاني أن الذكر مضاف إلى المفعول والمعنى لذكرهم الله أي يجب أن يورثهم الذكر خشوعاً ولا يكونوا كمن ذكره بالغفلة فلا يخشع قلبه للذكر وقوله تعالى وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقّ فيه مسائل
المسألة الأولى ( ما ) في موضع جر بالعطف على الذكر وهو موصول والعائد إليه محذوف على تقدير وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقّ ثم قال ابن عباس في قوله وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقّ يعني القرآن
المسألة الثانية قال أبو علي قرأ نافع وحفص والمفضل عن عاصم وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقّ خفيفة وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم وَمَا نَزَلَ مشددة وعن أبي عمرو وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقّ مرتفعة النون مكسورة الزاي والتقدير في القراءة الأولى أن تخشع قلوبهم لذكر الله ولما نزل من الحق وفي القراءة الثانية ولما نزله الله من الحق وفي القراءة الثالثة ولما نزل من الحق
المسألة الثالثة يحتمل أن يكون المراد من الحق هو القرآن لأنه جامع للوصفين الذكر والموعظة وإنه حق نازل من السماء ويحتمل أن يكون المراد من الذكر هو ذكر الله مطلقاً والمراد بما نزل من الحق هو القرآن وإنما قدم الخشوع بالذكر على الخشوع بما نزل من القرآن لأن الخشوع والخوف والخشية لا تحصل إلا عند ذكر الله فأما حصولها عند سماع القرآن فذاك لأجل اشتمال القرآن على ذكر الله ثم قال تعالى وَلاَ يَكُونُواْ قال الفراء هو في موضع نصب معناه ألم يأن أن تخشع قلوبهم وأن لا يكونوا قال ولو كان جزماً على النهي كان صواباً ويدل على هذا الوجه قراءة من قرأ بالتاء على سبيل الالتفات ثم قال كَالَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلُ يريد اليهود والنصارى فَطَالَ عَلَيْهِمُ الاْمَدُ وفيه مسألتان
المسألة الأولى ذكروا في تفسير طول الأمد وجوهاً أحدها طالت المدة بينهم وبين أنبيائهم فقست قلوبهم وثانيها قال ابن عباس مالوا إلى الدنيا وأعرضوا عن مواعظ الله وثالثها طالت أعمارهم في الغفلة فحصلت القسوة في قلوبهم بذلك السبب ورابعها قال ابن جبان الأمد ههنا الأمل البعيد والمعنى على هذا طال عليهم الأمد بطول الأمل أي لما طالت آمالهم لا جرم قست قلوبهم وخامسها قال مقاتل بن سليمان طال عليهم أمد خروج النبي عليه السلام وسادسها طال عهدهم بسماع التوراة والإنجيل فزال وقعهما عن قلوبهم فلا جرم قست قلوبهم فكأنه تعالى نهى المؤمنين عن أن يكونوا كذلك قاله القرظي
المسألة الثانية قرىء ( الأمد ) بالتشديد أي الوقت الأطول ثم قال وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ أي خارجون عن دينهم رافضون لما في الكتابين وكأنه إشارة إلى أن عدم الخشوع في أول الأمر يفضي إلى الفسق في آخر الأمر


الصفحة التالية
Icon