تشبيهها بالأم في حرمة إمساكها على سبيل الزوجية فإذا لم يطلقها فقد أمسكها على سبيل الزوجية فكان هذا الإمساك مناقضاً لمقتضى قوله أنت علي كظهر أمي فوجب الحكم عليه بكونه عائداً وهذا كلام ملخص في تقرير مذهب الشافعي الوجه الثاني في تفسير العود وهو قول أبي حنيفة أنه عبارة عن استباحة الوطء والملامسة والنظر إليها بالشهوة قالوا وذلك لأنه لما شبهها بالأم في حرمة هذه الأشياء ثم قصد استباحة هذه الأشياء كان ذلك مناقضاً لقوله أنت علي كظهر أمي واعلم أن هذا الكلام ضعيف لأنه لما شبهها بالأم لم يبين أنه في أي الأشياء شبهها بها فليس صرف هذا التشبيه إلى حرمة الاستمتاع وحرمة النظر أولى من صرفه إلى حرمة إمساكها على سبيل الزوجية فوجب أن يحمل هذا التشبيه على الكل وإذا كان كذلك فإذا أمسكها على سبيل الزوجية لحظة فقد نقض حكم قوله أنت علي كظهر أمي فوجب أن يتحقق العود الوجه الثالث في تفسير العود وهو قول مالك أن العود إليها عبارة عن العزم على جماعها وهذا ضعيف لأن القصة إلى جماعها لا يناقض كونها محرمة إنما المناقض لكونها محرمة القصد إلى استحلال جماعها وحينئذ نرجع إلى قول أبي حنيفة رحمه الله الوجه الرابع في تفسير العود وهو قول طاوس والحسن البصري أن العود إليها عبارة عن جماعها وهذا خطأ لأن قوله تعالى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَة ٍ مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا بفاء التعقيب في قوله فَتَحْرِيرُ رَقَبَة ٍ يقتضي كون التكفير بعد العود ويقتضي قوله مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا أن يكون التكفير قبل الجماع وإذا ثبت أنه لا بد وأن يكون التكفير بعد العود وقبل الجماع جب أن يكون العود غير الجماع واعلم أن أصحابنا قالوا العود المذكور ههنا هب أنه صالح للجماع أو للعزم على الجماع أو لاستباحة الجماع إلا أن الذي قاله الشافعي رحمه الله هو أقل ما ينطلق عليه الاسم فيجب تعليق الحكم عليه لأنه هو الذي به يتحقق مسمى العود وأما الباقي فزيادة لا دليل عليها ألبتة
الاحتمال الثاني في قوله ثُمَّ يَعُودُونَ أي يفعلون مثل ما فعلوه وعلى هذا الاحتمال في الآية أيضاً وجوه الأول قال الثوري العود هو الإتيان بالظهار في الإسلام وتقريره أن أهل الجاهلية كانوا يطلقون بالظهار فجعل الله تعالى حكم الظهار في الإسلام خلاف حكمه عندهم في الجاهلية فقال وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نّسَائِهِمْ يريد في الجاهلية ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ أي في الإسلام والمعنى أنهم يقولون في الإسلام مثل ما كانوا يقولونه في الجاهلية فكفارته كذا وكذا قال أصحابنا هذا القول ضعيف لأنه تعالى ذكر الظهار وذكر العود بعده بكلمة ثم وهذا يقتضي أن يكون المراد من العود شيئاً غير الظهار فإن قالوا المراد والذين كانوا يظاهرون من نسائهم قبل الإسلام والعرب تضمر لفظ كان كما في قوله وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّياطِينِ أي ما كانت تتلو الشياطين قلنا الإضمار خلاف الأصل القول الثاني قال أبو العالية إذا كرر لفظ الظهار فقد عاد فإن لم يكن يكرر لم يكن عوداً وهذا قول أهل الظاهر واحتجوا عليه بأن ظاهر قوله ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ يدل على إعادة ما فعلوه وهذا لا يكون إلا بالتكرير وهذا أيضاً ضعيف من وجهين الأول أنه لو كان المراد هذا لكان يقول ثم يعيدون ما قالوا الثاني حديث أوس فإنه لم يكرر الظهار إنما عزم على الجماع وقد ألزمه رسول الله الكفارة وكذلك حديث سلمة بن صخرة البياضي فإنه قال كنت لا أصبر عن الجماع فلما دخل شهر رمضان ظاهرت من امرأتي مخافة أن لا أصبر عنها بعد طلوع الفجر فظاهرت منها شهر رمضان كله ثم لم أصبر فواقعته فأتيت رسول الله


الصفحة التالية
Icon