نفع كثير من الفقراء بتلك الصدقة المقدمة قبل المناجاة وثالثها قال ابن عباس إن المسلمين أكثروا المسائل على رسول الله ( ﷺ ) حتى شقوا عليه وأراد الله أن يخفف عن نبيه فلما نزلت هذه الآية شح كثير من الناس فكفوا عن المسألة ورابعها قال مقالت بن حيان إن الأغنياء غلبوا الفقراء على مجلس النبي عليه الصلاة والسلام وأكثروا من مناجاته حتى كره النبي ( ﷺ ) طول جلوسهم فأمر الله بالصدقة عند المناجاة فأما الأغنياء فامتنعوا وأما الفقراء فلم يجدوا شيئاً واشتاقوا إلى مجلس الرسول عليه السلام فتمنوا أن لو كانوا يملكون شيئاً فينفقونه ويصلون إلى مجلس رسول الله ( ﷺ ) فعند هذا التكليف ازدادت درجة الفقراء عند الله وانحطت درجة الأغنياء وخامسها يحتمل أن يكون المراد منه التخفيف عليه لأن أرباب الحاجات كانوا يلحون على الرسول ويشغلون أوقاته التي هي مقسومة على الإبلاغ إلى الأمة وعلى العبادة ويحتمل أنه كان في ذلك ما يشغل قلب بعض المؤمنين لظنه أن فلاناً إنما ناجى رسول الله ( ﷺ ) لأمر يقتضي شغل القلب فيما يرجع إلى الدنيا وسادسها أنه يتميز به محب الآخرة عن محب الدنيا فإن المال محك الدواعي
المسألة الثانية ظاهر الآية يدل على أن تقديم الصدقة كان واجباً لأن الأمر للوجوب ويتأكد ذلك بقوله في آخر الآية فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ فإن ذلك لا يقال إلا فيما بفقده يزول وجوبه ومنهم من قال إن ذلك ما كان واجباً بل كان مندوباً واحتج عليه بوجهين الأول أنه تعالى قال ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ وهذا إنما يستعمل في التطوع لا في الفرض والثاني أنه لو كان ذلك واجباً لما أزيل وجوبه بكلام متصل به وهو قوله أَن تُقَدّمُواْ بَيْنَ ( المجادلة ١٣ ) إلى آخر الآية والجواب عن الأول أن المندوب كما يوصف بأنه خير وأطهر فالواجب أيضاً يوصف بذلك والجواب عن الثاني أنه لا يلزم من كون الآيتين متصلتين في التلاوة كونهما متصلتين في النزول وهذا كما قلنا في الآية الدالة على وجوب الاعتداد بأربعة أشهر وعشراً إنها ناسخة للاعتداد بحول وإن كان الناسخ متقدماً في التلاوة على المنسوخ ثم اختلفوا في مقدار تأخر الناسخ عن المنسوخ فقال الكلبي ما بقي ذلك التكليف إلا ساعة من النهار ثم نسخ وقال مقاتل بن حيان بقي ذلك التكليف عشرة أيام ثم نسخ
المسألة الثالثة روي عن علي عليه السلام أنه قال إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي كان لي دينار فاشتريت به عشرة دراهم فكلما ناجيت رسول الله ( ﷺ ) قدمت بين يدي نجواي درهماً ثم نسخت فلم يعمل بها أحد وروي عن ابن جريج والكلبي وعطاء عن ابن عباس أنهم نهوا عن المناجاة حتى يتصدقوا فلم يناجه أحد إلا علي عليه السلام تصدق بدينار ثم نزلت الرخصة قال القاضي والأكثر في الروايات أنه عليه السلام تفرد بالتصدق قبل مناجاته ثم ورد النسخ وإن كان قد روي أيضاً أن أفاضل الصحابة وجدوا الوقت وما فعلوا ذلك وإن ثبت أنه اختص بذلك فلأن الوقت لم يتسع لهذا الغرض وإلا فلا شبهة أن أكابر الصحابة لا يقعدون عن مثله وأقول على تقدير أن أفاضل الصحابة وجدوا الوقت وما فعلوا ذلك فهذا لا يجر إليهم طعناً وذلك الإقدام على هذا العمل مما يضيق قلب الفقير فإنه لا يقدر على مثله فيضيق قلبه ويوحش قلب الغني فإنه لما لم يفعل الغني ذلك وفعله غيره صار ذلك الفعل سبباً للطعن فيمن لم يفعل فهذا الفعل لما كان سبباً لحزن الفقراء ووحشة الأغنياء لم يكن في تركه كبير مضرة لأن الذي يكون سبباً للألفة أولى مما يكون سبباً للوحشة وأيضاً فهذه المناجاة ليست من الواجبات


الصفحة التالية
Icon