المسألة الثانية قوله تعالى فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ أي عذاب الآخر وإنما حملنا قوله أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً على عذاب القبر وقوله ههنا فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ على عذاب الآخر لئلا يلزم التكرار ومن الناس من قال المراد من الكل عذاب الآخرة وهو كقوله الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ ( النحل ٨٨ )
لَّن تُغْنِى َ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلَادُهُمْ مِّنَ اللَّهِ شَيْئاً أُوْلَائِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
روي أن واحداً منهم قال لننصرن يوم القيامة بأنفسنا وأولادنا فنزلت هذه الآية
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهِ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَى ْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ
قال ابن عباس إن المنافق يحلف لله يوم القيامة كذباً كما يحلف لأوليائه في الدنيا كذباً أما الأول فكقوله وَاللَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ( الأنعام ٢٣ ) وأما الثاني فهو كقوله وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ ( البقرة ٥٦ ) والمعنى أنهم لشدة توغلهم في النفاق ظنوا يوم القيامة أنه يمكنهم ترويج كذبهم بالأيمان الكاذبة على علام الغيوب فكان هذا الحلف الذميم يبقى معهم أبداً وإليه الإشارة بقوله وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ ( الأنعام ٢٨ ) قال الجبائي والقاضي إن أهل الآخرة لا يكذبون فالمراد من الآية أنهم يحلفون في الآخرة أنا ما كنا كافرين عند أنفسنا وعلى هذا الوجه لا يكون هذا الحلف كذباً وقوله أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ أي في الدنيا واعلم أن تفسير الآية بهذا الوجه لا شك أنه يقتضي ركاكة عظيمة في النظم وقد استقصينا هذه المسألة في سورة الأنعام في تفسير قوله وَاللَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ( الأنعام ٢٣ )
اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَائِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ
قال الزجاج استحوذ في اللغة استولى يقال حاوزت الإبل وحذتها إذا استوليت عليها وجمعتها قال المبرد استحوذ على الشيء حواه وأحاط به وقالت عائشة في حق عمر كان أحوذياً أي سائساً ضابطاً للأمور وهو أحد ما جاء على الأصل نحو استصوب واستنوق أي ملكهم الشيطان واستولى عليهم ثم قال فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ واحتج القاضي به في خلق الأعمال من وجهين الأول ذلك النسيان لو حصل بخلق الله لكانت إضافتها إلى الشيطان كذباً والثاني لو حصل ذلك بخلق الله لكانوا كالمؤمنين في كونهم حزب الله لا حزب الشيطان
ثم قال تعالى
إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَائِكَ فِى الاٌّ ذَلِّينَ كَتَبَ اللَّهُ لاّغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى إِنَّ اللَّهَ قَوِى ٌّ عَزِيزٌ
أي في جملة من هو أذل خلق الله لأن ذل أحد الخصمين على حسب عز الخصم الثاني فلما كانت عزة الله غير متناهية كانت ذلة من ينازعه غير متناهية أيضاً ولما شرح ذلهم بين عز المؤمنين


الصفحة التالية
Icon