في أيدي الأعداء ونظير هذه الآية قوله وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لاسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ فأما قوله ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ففيه وجهان الأول أنه راجع إلى المنافقين يعني لينهز من المنافقون ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ بعد ذلك أي يهلكهم الله ولا ينفعهم نفاقهم لظهور كفرهم والثاني لينهزمن اليهود ثم لا ينفعهم نصرة المنافقين
ثم ذكر تعالى أن خوف المنافقين من المؤمنين أشد من خوفهم من الله تعالى فقال
لاّنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَة ً فِى صُدُورِهِمْ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ
أي لا يعلمون عظمة الله حتى يخشوه حق خشيته
لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِى قُرًى مُّحَصَّنَة ٍ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ
ثم قال تعالى لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِى قُرًى مُّحَصَّنَة ٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ يريد أن هؤلاء اليهود والمنافقين لا يقدرون على مقاتلتكم مجتمعين إلا إذا كانوا في قرى محصنة بالخنادق والدروب أو من وراء جدر وذلك بسبب أن الله ألقى في قلوبهم الرعب وأن تأييد الله ونصرته معكم وقرىء جُدُرٍ بالتخفيف وجدار وجدر وجدر وهما الجدار
ثم قال تعالى بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ وفيه ثلاثة أوجه أحدها يعني أن البأس الشديد الذي يوصفون به إنما يكون إذا كان بعضهم مع بعض فأما إذا قاتلوكم لم يبق لهم ذلك البأس والشدة لأن الشجاع يجبن والعز يذل عند محاربة الله ورسوله وثانيها قال مجاهد المعنى أنهم إذا اجتمعوا يقولون لنفعلن كذا وكذا فهم يهددون المؤمنين ببأس شديد من وراء الحيطان والحصون ثم يحترزون عن الخروج للقتال فبأسهم فيما بينهم شديد لا فيما بينهم وبين المؤمنين وثالثها قال ابن عباس معناه بعضهم عدو للبعض والدليل على صحة هذا التأويل قوله تعالى تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى يعني تحسبهم في صورتهم مجتمعين على الألفة والمحبة أما قلوبهم فشتى لأن كل أحد منهم على مذهب آخر وبينهم عداوة شديدة وهذا تشجيع للمؤمنين على قتالهم وقوله ذالِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ فيه وجهان الأول أن ذلك بسبب أنهم قوم لا يعقلون ما فيه الحظ لهم والثاني لا يعقلون أن تشيت القلوب مما يوهن قواهم
كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
أي مثلهم كمثل أهل بدر في زمان قريب فإن قيل بم انتصب قَرِيبًا قلنا بمثل والتقدير كوجود مثل أهل بدر قَرِيباً ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ أي سوء عاقبة كفرهم وعداوتهم لرسول الله من قولهم كلأ وبيل أي وخيم سيىء العاقبة يعني ذاقوا عذاب القتل في الدنيا وَلَهُمْ فِى الاْخِرَة ِ عَذَابُ أَلِيمٌ


الصفحة التالية
Icon