الثاني قال ههنا مُتِمُّ نُورِهِ ( النور ٣٥ ) وقال في موضع آخر مَثَلُ نُورِهِ وهذا عين ذلك أو غيره نقول هو غيره لأن نور الله في ذلك الموضع هو الله تعالى عند أهل التحقيق وهنا هو الدين أو الكتاب أو الرسول
الثالث قال في الآية المتقدمة وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ وقال في المتأخرة وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ فما الحكمة فيه فنقول إنهم أنكروا الرسول وما أنزل إليه وهو الكتاب وذلك من نعم الله والكافرون كلهم في كفران النعم فلهذا قال وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ولأن لفظ الكافر أعم من لفظ المشرك والمراد من الكافرين ههنا اليهود والنصارى والمشركون وهنا ذكر النور وإطفاءه واللائق به الكفر لأنه الستر والتغطية لأن من يحاول الإطفاء إنما يريد الزوال وفي الآية الثانية ذكر الرسول والإرسال ودين الحق وذلك منزلة عظيمة للرسول عليه السلام وهي اعتراض على الله تعالى كما قال ألا قل لمن ظل لي حاسدا
أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في فعله
كأنه لم ترض لي ما وهب
والاعتراض قريب من الشرك ولأن الحاسدين للرسول عليه السلام كان أكثرهم من قريش وهم المشركون ولما كان النور أعم من الدين والرسول لا جرم قابله بالكافرين الذين هم جميع مخالفي الإسلام والإرسال والرسول والدين أخص من النور قابله بالمشركين الذين هم أخص من الكافرين
ثم قال تعالى
ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَارَة ٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
إعلم أن قوله تعالى هَلْ أَدُلُّكُمْ في معنى الأمر عند الفراء يقال هل أنت ساكت أي اسكت وبيانه أن هل بمعنى الاستفهام ثم يتدرج إلى أن يصير عرضاً وحثاً والحث كالإغراء والإغراء أمر وقوله تعالى عَلَى تِجَارَة ٍ هي التجارة بين أهل الإيمان وحضرة الله تعالى كما قال تعالى إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الّجَنَّة َ ( التوبة ١١١ ) دل عليه تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ والتجارة عبارة عن معاوضة الشيء بالشيء وكما أن التجارة تنجي التاجر من محنة الفقر ورحمة الصير على ما هو من لوازمه فكذلك هذه التجارة وهي التصديق بالجنان والإقرار باللسان كما قيل في تعريف الإيمان فلهذا قال بلفظ التجارة وكما أن التجارة في الربح والخسران فكذلك في هذا فإن من آمن وعمل صالحاً فله الأجر والربح الوافر واليسار المبين ومن أعرض عن العمل الصالح فله التحسر والخسران المبين وقوله تعالى تُنجِيكُم مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ قرىء مخففاً ومثقلاً وَتُؤْمِنُونَ استئناف كأنهم قالوا كيف نعمل فقال تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وهو خبر في معنى الأمر ولهذا أجيب بقوله يَغْفِرْ لَكُمْ وقوله تعالى وَتُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ والجهاد بعد هذين الوجهين ثلاثة جهاد فيما بينه وبين نفسه وهو قهر النفس ومنعها عن


الصفحة التالية
Icon