اللذات والشهوات وجهاد فيما بينه وبين الخلق وهو أن يدع الطمع منهم ويشفق عليهم ويرحمهم وجهاد فيما بينه بين الدنيا وهو أن يتخذها زاداً المادة فتكون على خمسة أوجه وقوله تعالى ذالِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ يعني الذي أمرتم به من الإيمان بالله تعالى والجهاد في سبيله خير لكم من أن تتبعوا أهواءكم إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ أي أن كنتم تنتفعون بما عملتم فهو خير لكم وفي الآية مباحث
الأول لم قال تُؤْمِنُونَ بلفظ الخبر نقول للإيذان بوجوب الامتثال عن ابن عباس قالوا لو نعلم أحب الأعمال إلى الله تعالى لعملنا فنزلت هذه الآية فمكثوا ما شاء الله يقولون يا ليتنا نعلم ما هي فدلهم الله عليها بقوله تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
الثاني ما معنى إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ نقول إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ أنه خير لكم كان خيراً لكم وهذه الوجوه للكشاف وأما الغير فقال الخوف من نفس العذاب لا من العذاب الأليم إذ العذاب الأليم هو نفس العذاب مع غيره والخوف من اللوازم كقوله تعالى وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ ( آل عمران ١٧٥ ) ومنها أن الأمر بالإيمان كيف هو بعد قوله ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ فنقول يمكن أن يكون المراد من هذه الآية المنافقين وهم الذين آمنوا في الظاهر ويمكن أن يكون أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى فإنهم آمنوا بالكتب المتقدمة فكأنه قال يا أيها الذين آمنوا بالكتب المتقدمة آمنوا بالله وبمحمد رسول الله ويمكن أن يكون أهل الإيمان كقوله فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً ( التوبة ١٢٤ ) لِيَزْدَادُواْ إِيمَاناً ( الفتح ٤ ) وهو الأمر بالثبات كقوله يُثَبّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ ( إبراهيم ٢٧ ) وهو الأمر بالتجدد كقوله خَبِيراً يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ ءامِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ( النساء ١٣٦ ) وفي قوله ( ﷺ ) ( من جدد وضوءه فكأنما جدد إيمانه ) ومنها أن رجاء النجاة كيف هو إذا آمن بالله ورسوله ولم يجاهد في سبيل الله وقد علق بالمجموع ومنها أن هذا المجموع وهو الإيمان بالله ورسوله والجهاد بالنفس والمال في سبيل الله خبر في نفس الأمر
ثم قال تعالى
يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاٌّ نْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَة ً فِى جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ
اعلم أن قوله تعالى غَفَرَ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ جواب قوله تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ( الصف ١١ ) لما أنه في معنى الأمر كما مر فكأنه قال آمنوا بالله وجاهدوا في سبيل الله يغفر لكم وقيل جوابه ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ ( الصف ١١ ) وجزم يَغْفِرْ لَكُمْ لما أنه ترجمة ذالِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ ومحله جزم كقوله تعالى لَوْلا أَخَّرْتَنِى إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن ( المنافقون ١٠ ) لأن محل فَأَصَّدَّقَ جزم على قوله لَوْلا أَخَّرْتَنِى وقيل جزم يَغْفِرْ لَكُمْ بهل لأنه في معنى الأمر وقوله تعالى وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاْنْهَارُ إلى آخر الآية من جملة ما قدم بيانه في التوراة ولا يبعد أن يقال إن الله تعالى رغبهم في هذه الآية إلى مفارقة مساكنهم وإنفاق أموالهم والجهاد وهو قوله يَغْفِرْ لَكُمْ وقوله تعالى ذالِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ يعني ذلك


الصفحة التالية
Icon