الجزاء الدائم هو الفوز العظيم وقد مر وقوله تعالى وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا أي تجارة أخرى في العاجل مع ثواب الآجل قال الفراء وخصلة أخرى تحبونها في الدنيا مع ثواب الآخرة وقوله تعالى نَصْرٌ مّن اللَّهِ هو مفسر للأخرى لأنه يحسن أن يكون نَصْرٌ مّن اللَّهِ مفسراً للتجارة إذ النصر لا يكون تجارة لنا بل هو ريح للتجارة وقوله تعالى وَفَتْحٌ قَرِيبٌ أي عاجل وهو فتح مكة وقال الحسن هو فتح فارس والروم وفي تُحِبُّونَهَا شيء من التوبيخ على محبة العاجل ثم في اة ية مباحث
الأول قوله تعالى وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ عطف على تؤمنون لأنه في معنى الأمر كأنه قيل آمنوا وجاهدوا يثبكم الله وينصركم وبشر يا رسول الله المؤمنين بذلك ويقال أيضاً بم نصب من قرأ نَصْراً مِنَ اللَّهِ يَكُونَ قَرِيبًا ( الصف ١١ ) فيقال على الاختصاص أو على تنصرون نصراً ويفتح لكم فتحاً أو على يغفر لكم ويدخلكم ويؤتكم خيراً ويرى نصراً وفتحاً هكذا ذكر في الكشاف
ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنَّصَارِى إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَأامَنَت طَّآئِفَة ٌ مِّن بَنِى إِسْرَاءِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَة ٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ
ثم قال تعالى الْمُؤْمِنِينَ يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيّينَ مَنْ أَنَّصَارِى إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ
قوله كُونُواْ أَنصَارَ اللَّهِ أمر بإدامة النصرة والثبات عليه أي ودوموا على ما أنتم عليه من النصرة ويدل عليه قراءة ابن مسعود كُونُواْ أَنتُمْ أَنْصَارُ اللَّهِ فأخير عنهم بذلك أي أنصار دين الله وقوله كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيّينَ أي انصروا دين الله مثل نصرة الحواريين لما قال لهم مَنْ أَنصَارِى إِلَى اللَّهِ قال مقاتل يعني من يمنعني من الله وقال عطاء من ينصر دين الله ومنهم من قال أمر الله المؤمنين أن ينصروا محمداً ( ﷺ ) كما نصر الحواريون عيسى عليه السلام وفيه إشارة إلى أن النصر بالجهاد لا يكون مخصوصاً بهذه الأمة والحواريون أصفياؤه وأول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلاً وحواري الرجل صفيه وخلصاؤه من الحور وهو البياض الخالص وقيل كانوا قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها وأما الأنصار فعن قتادة أن الأنصار كلهم من قريش أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وحمزة وجعفر وأبو عبيدة بن الجراح وعثمان بن مظعون وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعثمان بن عوف وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام ثم في الآية مباحث
البحث الأول التشبيه محمول على المعنى والمراد كونوا كما كان الحواريون
الثاني ما معنى قوله مَنْ أَنصَارِى إِلَى اللَّهِ نقول يجب أن يكون معناه مطابقاً لجواب الحواريين والذي يطابقه أن يكون المعنى من عسكري متوجهاً إلى نصرة الله وإضافة أَنصَارِى خلاف إضافة أَنْصَارُ اللَّهِ لما أن المعنى في الأول الذين ينصرون الله وفي الثاني الذين يختصون بي ويكونون معي في نصرة الله


الصفحة التالية
Icon