يوم منها معظم فلليهود يوم السبت وللنصارى يوم الأحد وللمسلمين يوم الجمعة روي عن رسول الله ( ﷺ ) أنه قال ( يوم الجمعة هذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له فلليهود غداً وللنصارى بعد غد ) ولما جعل يوم الجمعة يوم شكر وإظهار سرور وتعظيم نعمة احتيج فيه إلى الاجتماع الذي به تقع شهرته فجمعت الجماعات له كالسنة في الأعياد واحتيج فيه إلى الخطبة تذكيراً بالنعمة وحثاً على استدامتها بإقامة ما يعود بآلاء الشكر ولما كان مدار التعظيم إنما هو على الصلاة جعلت الصلاة لهذا اليوم وسط النهار ليتم الاجتماع ولم تجز هذه الصلاة إلا في مسجد واحد ليكون أدعى إلى الاجتماع والله أعلم
الثاني كيف خص ذكر الله بالخطبة وفيها ذكر الله وغير الله نقول المراد من ذكر الله الخطبة والصلاة لأن كل واحدة منهما مشتملة على ذكر الله وأما ما عدا ذلك من ذكر الظلمة والثناء عليهم والدعاء لهم فذلك ذكر الشيطان
الثالث قوله وَذَرُواْ الْبَيْعَ لم خص البيع من جميع الأفعال نقول لأنه من أهم ما يشتغل به المرء في النهار من أسباب المعاش وفيه إشارة إلى ترك التجارة ولأن البيع والشراء في الأسواق غالباً والغفلة على أهل السوق أغلب فقوله وَذَرُواْ الْبَيْعَ تنبيه للغافلين فالبيع أولى بالذكر ولم يحرم لعينه ولكن لما فيه من الذهول عن الواجب فهو كالصلاة في الأرض المغصوبة
الرابع ما الفرق بين ذكر الله أولاً وذكر الله ثانياً فنقول الأول من جملة مالا يجتمع مع التجارة أصلاً إذ المراد منه الخطبة والصلاة كما مر والثاني من جملة ما يجتمع كما في قوله تعالى رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَة ٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ( النور ٣٧ )
ثم قال تعالى
وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَة ً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَة ِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَازِقِينَ
قال مقاتل إن دحية بن خليفة الكلبي أقبل بتجارة من الشام قبل أن يسلم وكان معه من أنواع التجارة وكان يتلقاه أهل المدينة بالطبل والصفق وكان ذلك في يوم الجمعة والنبي ( ﷺ ) قائم على المنبر يخطب فخرج إليه الناس وتركوا النبي ( ﷺ ) ولم يبق إلا إثنا عشر رجلاً أو أقل كثمانية أو أكثر كأربعين فقال عليه السلام لولا هؤلاء لسومت لهم الحجارة ونزلت الآية وكان من الذين معه أبو بكر وعمر وقال الحسن أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر فقدمت عير والنبي ( ﷺ ) يخطب يوم الجمعة فسمعوا بها وخرجوا إليها فقال النبي ( ﷺ ) ( لو اتبع آخرهم أولهم لالتهب الوادي عليهم ناراً ) قال قتادة فعلوا ذلك ثلاث مرات وقوله تعالى أَوْ لَهْواً وهو الطبل وكانوا إذا أنكحوا الجواري يضربون المزامير فمروا يضربون فتركوا النبي ( ﷺ ) وقوله انفَضُّواْ إِلَيْهَا أي تفرقوا وقال المبرد مالوا إليها وعدلوا نحوها والضمير في ( إليها ) للتجارة وقال الزجاج انفضوا إليه وإليها ومعناهما واحد كقوله تعالى وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَواة ِ ( البقرة ٤٥ )


الصفحة التالية
Icon