لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخَاطِئُونَ
ثم إنه تعالى ذكر أن الغسلين أكل من هو فقال لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخَاطِئُونَ الآثمون أصحاب الخطايا وخطىء الرجل إذا تعمد الذنب وهم المشركون وقرىء الخاطيون بإبدال الهمزة ياء والخاطون بطرحها وعن ابن عباس أنه طعن في هذه القراءة وقال ما الخاطيون كلنا نخطو إنما هو الخاطئون ما الصابون إنما هو الصابئون ويجوز أن يجاب عنه بأن المراد الذين يتخطون الحق إلى الباطل ويتعدون حدود الله
واعلم أنه تعالى لما أقام الدلالة على إمكان القيامة ثم على وقوعها ثم ذكر أحوال السعداء وأحوال الأشقياء ختم الكلام بتعظيم القرآن فقال
فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ
وفيه مسألتان
المسألة الأولى منهم من قال المراد أقسم ولا صلة أو يكون رد الكلام سبق ومنهم من قال لا ههنا نافية للقسم كأنه قال لا أقسم على أن هذا القرآن قَوْلَ رَسُولٌ كَرِيمٌ ( الحاقة ٤٠ ) يعني أنه لوضوحه يستغني عن القسم والاستقصاء في هذه المسألة سنذكره في أول سورة لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَة ِ ( القيامة ١ )
المسألة الثانية قوله بِمَا تُبْصِرُونَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ يوم جميع الأشياء على الشمول لأنها لا تخرج من قسمين مبصر وغير مبصر فشمل الخالق والخلق والدنيا والآخرة والأجسام والأرواح والإنس والجن والنعم الظاهرة والباطنة
ثم قال تعالى
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ
واعلم أنه تعالى ذكر في سورة ( التكوير ١ ) إِذَا الشَّمْسُ كُوّرَتْ مثل هذا الكلام والأكثرون هناك على أن المراد منه جبريل عليه السلام والأكثرون ههنا على أن المراد منه محمد ( ﷺ ) واحتجوا على الفرق بأن ههنا لما قال إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذكر بعده أنه ليس بقول شاعر ولا كاهن والقوم ما كانوا يصفون جبريل عليه السلام بالشعر والكهانة بل كانوا يصفون محمداً بهذين الوصفين وأما في سورة إِذَا الشَّمْسُ كُوّرَتْ لما قال إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ثم قال بعده وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ ( التكوير ٢٥ ) كان المعنى إنه قول ملك كريم لا قول شيطان رجيم فصح أن المراد من الرسول الكريم ههنا هو محمد ( ﷺ ) وفي تلك السورة هو جبريل عليه السلام وعند هذا يتوجه السؤال أن الأمة مجمعة على أن القرآن كلام الله تعالى وحينئذ يلزم أن يكون الكلام الواحد كلاماً لله تعالى ولجبريل ولمحمد وهذا غير معقول والجواب أنه يكفي في صدق الإضافة أدنى سبب فهو كلام الله تعالى بمعنى أنه تعالى هو الذي أظهره في اللوح المحفوظ وهو الذي رتبه ونظمه وهو كلام جبريل عليه السلام بمعنى أنه هو الذي أنزله من السموات إلى الأرض وهو كلام محمد بمعنى أنه هو الذي أظهره للخلق ودعا الناس إلى الإيمان به وجعله حجة لنبوته
ثم قال تعالى
وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ
وههنا مسائل
المسألة الأولى قرأ الجمهور تؤمنون وتذكرون بالتاء المنقوطة من فوق على الخطاب إلا ابن كثير


الصفحة التالية
Icon