الملائكة أولاً والروح ثانياً كما في هذه الآية وذكر عند القيام الروح أولاً والملائكة ثانياً كما في قوله يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَة ُ صَفّاً وهذا يقتضي كون الروح أولاً في درجة النزول وآخراً في درجة الصعود وعند هذا قال بعض المكاشفين إن الروح نور عظيم هو أقرب الأنوار إلى جلال الله ومنه تتشعب أرواح سائر الملائكة والبشر في آخر درجات منازل الأرواح وبين الطرفين معارج مراتب الأرواح الملكية ومدارج منازل الأنوار القدسية ولا يعلم كميتها إلا الله وأما ظاهر قول المتكلمين وهو أن الروح هو جبريل عليه السلام فقد قررنا هذه المسألة في تفسير قوله يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَة ُ صَفّاً ( النبأ ٣٨ )
المسألة الثانية احتج القائلون بأن الله في مكان إما في العرش أو فوقه بهذه الآية من وجهين الأول أن الآية دلت على أن الله تعالى موصوف بأنه ذو المعارج وهو إنما يكون كذلك لو كان في جهة فوق والثاني قوله تَعْرُجُ الْمَلَئِكَة ُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فبين أن عروج الملائكة وصعودهم إليه وذلك يقتضي كونه تعالى في جهة فوق والجواب لما دلت الدلائل على امتناع كونه في المكان والجهة ثبت أنه لا بد من التأويل فأما وصف الله بأنه ذو المعارج فقد ذكرنا الوجوه فيه وأما حرف ( إلى ) في قوله تَعْرُجُ الْمَلَئِكَة ُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فليس المراد منه المكان بل المراد انتهاء الأمور إلى مراده كقوله وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الاْمْرُ كُلُّهُ ( هود ١٢٣ ) المراد الانتهاء إلى موضع العز والكرامة كقوله إِنّى ذَاهِبٌ إِلَى رَبّى ( الصافات ٩٩ ) ويكون هذا إشارة إلى أن دار الثواب أعلى الأمكنة وأرفعها
المسألة الثالثة الأكثرون على أن قوله فِى يَوْمٍ من صلة قوله تَعْرُجُ أي يحصل العروج في مثل هذا اليوم وقال مقاتل بل هذا من صلة قوله بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ( المعارج ١ ) وعلى هذا القول يكون في الآية تقديم وتأخير والتقدير سأل سائل بعذاب واقع في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة وعلى التقدير الأول فذلك اليوم إما أن يكون في الآخرة أو في الدنيا وعلى تقدير أن يكون في الآخرة فذلك الطول إما أن يكون واقعاً وإما أن يكون مقدراً فهذه هي الوجوه التي تحملها هذه الآية ونحن نذكر تفصيلها القول الأول هو أن معنى الآية أن ذلك العروج يقع في يوم من أيام الآخرة طوله خمسون ألف سنة وهو يوم القيامة وهذا قول الحسن قال وليس يعني أن مقدار طوله هذا فقط إذ لو كان كذلك لحصلت له غاية ولفنيت الجنة والنار عند تلك الغاية وهذا غير جائز بل المراد أن موقفهم للحساب حتى يفصل بين الناس خمسون ألف سنة من سني الدنيا ثم بعد ذلك يستقر أهل النار في دركات النيران نعوذ بالله منها واعلم أن هذا الطول إنما يكون في حق الكافر أما في حق المؤمن فلا والدليل عليه الآية والخبر أما الآية فقوله تعالى أَصْحَابُ الْجَنَّة ِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً ( الفرقان ٢٤ ) واتفقوا على ( أن ) ذلك ( المقيل والمستقر ) هو الجنة وأماالخبر فما روي عن أبي سعيد الخدري أنه قال قيل لرسول الله ( ﷺ ) ما طول هذا اليوم فقال ( والذي نفسي بيده إنه ليخفف عن المؤمن حتى يكون عليه أخف من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا ) ومن الناس من قال إن ذلك الموقف وإن طال فهو يكون سبباً لمزيد السرور والراحة لأهل الجنة ويكون سبباً لمزيد الحزن والغم لأهل النار الجواب عنه أن الآخرة دار جزاء فلا بد من أن يعجل للمثابين ثوابهم ودار الثواب هي الجنة لا الموقف فإذن لا بد من تخصيص طول الموقف بالكفار القول الثاني هو أن هذه المدة واقعة في الآخرة لكن على سبيل التقدير لا على سبيل التحقق والمعنى أنه لو اشتغل بذلك القضاء


الصفحة التالية
Icon