واعلم أنه لما أمر في هذه الآية بتعظيم الله استدل على التوحيد بوجوه من الدلائل
الأول قوله وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً وفيه وجهان الأول قال الليث الطورة التارة يعني حالاً بعد حال كما ذكرنا أنه كان نطفة ثم علقة إلى آخر التارات الثاني قال ابن الأنباري الطور الحال والمعنى خلقكم أصنافاً مختلفين لا يشبه بعضكم بعضاً ولما ذكر هذا الدليل من الأنفس على التوحيد أتبعه بذكر دليل التوحيد من الآفاق على العادة المعهودة في كل القرآن
الدليل الثاني على التوحيد قوله تعالى
أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً
واعلم أنه تعالى تارة يبدأ بدلائل الأنفس وبعدها بدلائل الآفاق كما في هذه الآية وذلك لأن نفس الإنسان أقرب الأشياء إليه فلا جرم بدأ بالأقرب وتارة يبدأ بدلائل الآفاق ثم بدلائل الأنفس إما لأن دلائل الآفاق أبهر وأعظم فوقعت البداية بها لهذا السبب أو لأجل أن دلائل الأنفس حاضرة لا حاجة بالعاقل إلى التأمل فيها إنما الذي يحتاج إلى التأمل فيه دلائل الآفاق لأن الشبه فيها أكثر فلا جرم تقع البداية بها وههنا سؤالات
السؤال الأول قوله سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً يقتضي كون بعضها منطبقاً على البعض وهذا يقتضي أن لا يكون بينها فرج فالملائكة كيف يسكنون فيها الجواب الملائكة أرواح فلعل المراد من كونها طباقاً كونها متوازية لا أنها متماسة
السؤال الثاني كيف قال وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً والقمر ليس فيها بأسرها بل في السماء الدنيا والجواب هذا كما يقال السلطان في العراق ليس المراد أن ذاته حاصلة في جميع أحياز العراق بل إن ذاته في حيز من جملة أحياز العراق فكذا ههنا
السؤال الثالث السراج ضوءه عرضي وضوء القمر عرضي متبدل فتشبيه القمر بالسراج أولى من تشبيه الشمس به الجواب الليل عبارة عن ظل الأرض والشمس لما كانت سبباً لزوال ظل الأرض كانت شبيهة بالسراج وأيضاً فالسراج له ضوء والضوء أقوى من النور فجعل الأضعف للقمر والأقوى للشمس ومنه قوله تعالى هُوَ الَّذِى جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً ( يونس ٥ )
الدليل الثالث على التوحيد قوله تعالى
وَاللَّهُ أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض نَبَاتاً ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً
واعلم أنه تعالى رجع ههنا إلى دلائل الأنفس وهو كالتفسير لقوله خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً ( نوح ١٤ ) فإنه بين أنه تعالى


الصفحة التالية
Icon