الكفر لأن الشاهد بشهادته يبين الحق ولذلك وصفت بأنها بينة فلا يمتنع أن يوصف عليه الصلاة والسلام بذلك من حيث إنه بين الحق وهذا بعيد لأن الله تعالى قال وَكَذالِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة ً وَسَطًا ( البقرة ١٤٣ ) أي عدولاً خياراً لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ( البقرة ١٤٣ ) فبين أنه يكون شاهداً عليهم في المستقبل ولأن حمله على الشهادة في الآخرة حقيقة وحمله على البيان مجاز والحقيقة أولى
السؤال الخامس ما معنى الوبيل الجواب فيه وجهان الأول الوبيل الثقيل الغليظ ومنه قولهم صار هذا وبالاً عليهم أي أفضى به إلى غاية المكروه ومن هذا قيل للمطر العظيم وابل والوبيل العصا الضخمة الثاني قال أبو زيد الوبيل الذي لا يستمرأ وماء وبيل وخيم إذا كان غير مريء وكلأ مستوبل إذا أدت عاقبته إلى مكروه إذا عرفت هذا فنقول قوله فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً يعني الغرق قاله الكلبي ومقاتل وقتادة
ثم إنه تعالى عاد إلى تخويفهم بالقيامة مرة أخرى فقال تعالى
فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً
وفيه مسائل
المسألة الأولى قال الواحدي في الآية تقديم وتأخير أي فكيف تتقون يوماً يجعل الولدان شيباً إن كفرتم
المسألة الثانية ذكر صاحب ( الكشاف ) في قوله يَوْماً وجوهاً الأول أنه مفعول به أي فكيف تتقون أنفسكم يوم القيامة وهوله إن بقيتم على الكفر والثاني أن يكون ظرفاً أي وكيف لكم بالتقوى في يوم القيامة إن كفرتم في الدنيا والثالث أن ينتصب بكفرتم على تأويل جحدتم أي فكيف تتقون الله وتخشونه إن جحدتم يوم القيامة والجزاء لأن تقوى الله لا معنى لها إلا خوف عقابه
المسألة الثالثة أنه تعالى ذكر من هول ذلك اليوم أمرين الأول قوله يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً وفيه وجهان الأول أنه مثل في الشدة يقال في اليوم الشديد يوم يشيب نواصي الأطفال والأصل فيه أن الهموم والأحزان إذا تفاقمت على الإنسان أسرع فيه الشيب لأن كثرة الهموم توجب انقصار الروح إلى داخل القلب وذلك الانقصار يوجب انطفاء الحرارة الغريزية وانطفاء الحرارة الغريزية وضعفها يوجب بقاء الأجزاء الغذائية غير تامة النضج وذلك يوجب استيلاء البلغم على الأخلاط وذلك يوجب ابيضاض الشعر فلما رأوا أن حصول الشيب من لوازم كثرة الهموم جعلوا الشيب كناية عن الشدة والمحنة وليس المراد أن هول ذلك اليوم يجعل الوالدان شيباً حقيقة لأن إيصال الألم والخوف إلى الصبيان غير جائز يوم القيامة الثاني يجوز أن يكون المراد وصف ذلك اليوم بالطول وأن الأطفال يبلغون فيه أوان الشيخوخة والشيب ولقد سألني بعض الأدباء عن قول المعري
وظلم يملأ الفودين شيباً


الصفحة التالية
Icon