وقال كيف يفضل هذا التشبيه الذي في القرآن على بيت المعري فقلت من وجوه الأول أن امتلاء الفودين من الشيب ليس بعجب أما صيرورة الولدان شيباً فهو عجيب كأن شدة ذلك اليوم تنقلهم من سن الطفولية إلى سن الشيخوخة من غير أن يمروا فيما بين الحالتين بسن الشباب وهذا هو المبالغة العظيمة في وصف اليوم بالشدة وثانيها أن امتلاء الفودين من الشيب معناه ابيضاض الشعر وقد يبيض الشعر لعلة مع أن قوة الشباب تكون باقية فهذا ليس فيه مبالغة وأما الآية فإنها تدل على صيرورة الولدان شيوخاً في الضعف والنحافة وعدم طراوة الوجه وذلك نهاية في شدة ذلك اليوم وثالثها أن امتلاء الفودين من الشيب ليس فيه مبالغة لأن جانبي الرأس موضع للرطوبات الكثيرة البلغمية ولهذا السبب فإن الشيب إنما يحدث أولاً في الصدغين وبعده في سائر جوانب الرأس فحصول الشيب في الفودين ليس بمبالغة إنما المبالغة هو استيلاء الشيب على جميع أجزاء الرأس بل على جميع أجزاء البدن كما هو مذكور في الآية والله أعلم
النوع الثاني من أهوال يوم القيامة قوله السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ وهذا وصف لليوم بالشدة أيضاً وأن السماء على عظمها وقوتها تنفطر فيه فما ظنك بغيرها من الخلائق ونظيره قوله إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ ( الانفطار ١ ) وفيه سؤالان
السؤال الأول لم لم يقل منفطرة الجواب من وجوه أولها روى أبو عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء إنما قال السَّمَاء مُنفَطِرٌ ولم يقل منفطرة لأن مجازها مجاز السقف تقول هذا سماء البيت وثانيها قال الفراء السماء تؤنث وتذكر وهي ههنا في وجوه التذكير وأنشد شعراً فلو رفع السماء إليه قوما
لحقنا بالنجوم مع السحاب
وثالثها أن تأنيث السماء ليس بحقيقي وما كان كذلك جاز تذكيره
قال الشاعر
والعين بالإثمد الخيري مكحول
وقال الأعشى فلا مزنة ودقت ودقها
ولا أرض أبقل إبقالها
ورابعها أن يكون السماء ذات انفطار فيكون من باب الجراد المنتشر والشجر الأخضر وأعجاز نخل منقعر وكقولهم امرأة مرضع أي ذات رضاع
السؤال الثاني ما معنى مُنفَطِرٌ بِهِ الجواب من وجوه أحدها قال الفراء المعنى منفطر فيه وثانيها أن الباء في ( به ) مثلها في قولك فطرت العود بالقدوم فانفطر به يعني أنها تنفطر لشدة ذلك اليوم وهوله كما ينفطر الشيء بما ينفطر به وثالثها يجوز أن يراد السماء مثقلة به إثقالاً يؤدي إلى انفطارها لعظم تلك الواقعة عليها وخشيتها منها كقوله ثَقُلَتْ فِى السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ ( الأعراف ١٨٧ )
أما قوله كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً فاعلم أن الضمير في قوله وَعْدَهُ يحتمل أن يكون عائداً إلى المفعول وأن يكون عائداً إلى الفاعل أما الأول فأن يكون المعنى وعد ذلك اليوم مفعول أي الوعد المضاف إلى ذلك اليوم واجب الوقوع لأن حكمة الله تعالى وعلمه يقتضيان إيقاعه وأما الثاني فأن يكون المعنى وعد


الصفحة التالية
Icon