الله واقع لا محالة لأنه تعالى منزه عن الكذب وههنا وإن لم يجر ذكر الله تعالى ولكنه حسن عود الضمير إليه لكونه معلوماً واعلم أنه تعالى بدأ في أول السورة بشرح أحوال السعداء ومعلوم أن أحوالهم قسمان أحدهما ما يتعلق بالدين والطاعة للمولى فقدم ذلك والثاني ما يتعلق بالمعاملة مع الخلق وبين ذلك بقوله وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً ( المزمل ١٠ ) وأما الأشقياء فقد بدأ بتهديدهم على سبيل الإجمال وهو قوله تعالى وَذَرْنِى وَالْمُكَذّبِينَ ( المزمل ١١ ) ثم ذكره بعده أنواع عذاب الآخرة ثم ذكر بعده عذاب الدنيا وهو الأخذ الوبيل في الدنيا ثم وصف بعده شدة يوم القيامة فعند هذا تم البيان بالكلية فلا جرم ختم ذلك الكلام بقوله
إِنَّ هَاذِهِ تَذْكِرَة ٌ فَمَن شَآءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً
أي هذه الآيات تذكرات مشتملة على أنواع الهداية والإرشاد فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبّهِ سَبِيلاً واتخاذ السبيل عبارة عن الاشتغال بالطاعة والاحتراز عن المعصية
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَى ِ الَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَة ٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَلَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَى وَءَاخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى الأرض يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَءَاخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُواْ الصَّلَواة َ وَءَاتُواْ الزَّكَواة َ وَأَقْرِضُواُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُواْ لاًّنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
قوله تعالى إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَى ِ الَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَة ٌ مّنَ الَّذِينَ مَعَكَ فيه مسألتان
المسألة الأولى المراد من قوله إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ أقل منهما وإنما استعير الأدنى وهو الأقرب للأقل لأن المسافة بين الشيئين إذا دنت قل ما بينهما من الأحياز وإذا بعدت كثر ذلك
المسألة الثانية قرىء وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ بالنصب والمعنى أنك تقوم أقل من الثلثين وتقوم النصف ( والثلث ) وقرىء وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ بالجر أي تقوم أقل من الثلثين والنصف والثلث لكنا بينا في تفسير قوله قُمِ الَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً ( المزمل ٢ ) أنه لا يلزم من هذا أن يقال إنه عليه الصلاة والسلام كان تاركاً للواجب وقوله تعالى وَطَائِفَة ٌ مّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وهم أصحابك يقومون من الليل هذا المقدار المذكور
قوله تعالى وَاللَّهُ يُقَدّرُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ يعني أن العالم بمقادير أجزاء الليل والنهار ليس إلا الله تعالى
قوله تعالى عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فيه مسألتان
المسألة الأولى الضمير في أَن لَّن تُحْصُوهُ عائد إلى مصدر مقدر أي علم أنه لا يمكنكم إحصاء مقدار كل واحد من أجزاء الليل والنهار على الحقيقة ولا يمكنكم أيضاً تحصيل تلك المقادير على سبيل الطعن والاحتياط إلا مع المشقة التامة قال مقاتل كان الرجل يصلي الليل كله مخافة أن لا يصيب ما أمر به من قيام ما فرض عليه


الصفحة التالية
Icon