المسألة الثانية اختلفوا في أن هذه الحالة متى تحصل فقيل عند الموت وقيل عند البعث وقيل عند رؤية جهنم فمن قال إن هذا يكون عند الموت قال إن البصر يبرق على معنى يشخص عند معاينة أسباب الموت والملائكة كما يوجد ذلك في كل واحد إذا قرب موته ومن مال إلى هذا التأويل قال إنهم إنما سألوه عن يوم القيامة لكنه تعالى ذكر هذه الحادثة عند الموت والسبب فيه من وجهين الأول أن المنكر لما قال أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَة ِ ( القيامة ٦ ) على سبيل الاستهزاء فقيل له إذا برق البصر وقرب الموت زالت عنه الشكوك وتيقن حينئذ أن الذي كان عليه من إنكار البعث والقيامة خطأ الثاني أنه إذا قرب موته وبرق بصره تيقن أن إنكار البعث لأجل طلب اللذات الدنيوية كان باطلاً وأما من قال بأن ذلك إنما يكون عند قيام القيامة قال لأن السؤال إنما كان عن يوم القيامة فوجب أن يقع الجواب بما يكون من خواصه وآثاره قال تعالى إِنَّمَا يُؤَخّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الابْصَارُ ( إبراهيم ٤١ ) وثانيها قوله وَخَسَفَ الْقَمَرُ وفيه مسألتان
المسألة الأولى يحتمل أن يكون المراد من خسوف القمر ذهاب ضوئه كما نعقله من حاله إذا خسف في الدنيا ويحتمل أن يكون المراد ذهابه بنفسه كقوله فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الاْرْضَ ( القصص ٨١ )
المسألة الثانية قرىء وَخَسَفَ الْقَمَرُ ( يس ٤٠ ) على البناء للمفعول وثالثها قوله وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وفيه مسائل
المسألة الأولى ذكروا في كيفية الجمع وجوهاً أحدها أنه تعالى قال لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِى لَهَا أَن تدْرِكَ القَمَرَ فإذا جاء وقت القيامة أدرك كل واحد منهما صاحبه واجتمعا وثانيها جمعا في ذهاب الضوء فهو كما يقال الشافعي يجمع ما بين كذا وكذا في حكم كذا وثالثها يجمعان أسودين مكورين كأنهما ثوران عقيران في النار وقيل يجمعان ثم يقذفان في البحر فهناك نار الله الكبرى واعلم أن هذه الوجوه التي ذكرناها في قوله وخسف القمر وجمع الشمس والقمر إنما تستقيم على مذهب من يجعل برق البصر من علامات القيامة فأما من يجعل برق البصر من علامات الموت قال معنى وَخَسَفَ الْقَمَرُ أي ذهب ضوء البصر عند الموت يقال عين خاسفة إذا فقئت حتى غابت حدقتها في الرأس وأصلها من خسفت الأرض إذا ساخت بما عليها وقوله وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ كناية عن ذهاب الروح إلى عالم الآخرة كأن الآخرة كالشمس فإنه يظهر فيها المغيبات وتتضح فيها المبهمات والروح كالقمر فإنه كما أن القمر يقبل النور من الشمس فكذا الروح تقبل نور المعارف من عالم الآخرة ولا شك أن تفسير هذه الآيات بعلامات القيامة أولى من تفسيرها بعلامات الموت وأشد مطابقة لها
المسألة الثانية قال الفراء إنما قال جمع ولم يقل جمعت لأن المراد أنه جمع بينهما في زوال النور وذهاب الضوء وقال الكسائي المعنى جمع النوران أو الضياءان وقال أبو عبيدة القمر شارك الشمس في الجمع وهو مذكر فلا جرم غلب جانب التذكير في اللفظ قال الفراء قلت لمن نصر هذا القول كيف تقولون الشمس جمع والقمر فقالوا جمعت فقلت ما الفرق بين الموضعين فرجع عن هذا القول
المسألة الثالثة طعنت الملاحدة في الآية وقالوا خسوف القمر لا يحصل حال اجتماع الشمس والقمر والجواب الله تعالى قادر على أن يجعل القمر منخسفاً سواء كانت الأرض متوسطة بينه وبين الشمس أو لم تكن والدليل عليه أن الأجسام متماثلة فيصح على كل واحد منها ما يصح على الآخر


الصفحة التالية
Icon