إلى نفسه لأنه هو النهاية في خلقهم والمقصود منه ثم قال تعالى وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ لأنه لا يلزم من خلق الشيء أن يكون مصوراً بالصورة ولا يلزم من الصورة أن تكون على أحسن الصور ثم قال وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ أي المرجع ليس إلا له وقوله تعالى يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمُ بِذَاتِ الصُّدُورِ نبه بعلمه ما في السموات والأرض ثم بعلمه ما يسره العباد وما يعلنونه ثم بعلمه ما في الصدور من الكليات والجزئيات على أنه لا يخفى عليه شيء لما أنه تعالى لا يعزب عن علمه مثقال ذرة ألبتة أزلاً وأبداً وفي الآية مباحث
الأول أنه تعالى حكيم وقد سبق في علمه أنه إذا خلقهم لم يفعلوا إلا الكفر والإصرار عليه فأي حكمة دعته إلى خلقهم نقول إذا علمنا أنه تعالى حكيم علمنا أن أفعاله كلها على وفق الحكمة وخلق هذه الطائفة فعله فيكون على وفق الحكمة ولا يلزم من عدم علمنا بذلك أن لا يكون كذلك بل اللازم أن يكون خلقهم على وفق الحكمة
الثاني قال وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وقد كان من أفراد هذا النوع من كان مشوه الصورة سمج الخلقة نقول لا سماجة ثمة لكن الحسن كغيره من المعاني على طبقات ومراتب فلانحطاط بعض الصور عن مراتب ما فوقها انحطاطاً بيناً لا يظهر حسنه وإلا فهو داخل في حيز الحسن غير خارج عن حده
الثالث قوله تعالى وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ يوهم الانتقال من جانب إلى جانب وذلك لا يمكن إلا أن يكون الله في جانب فكيف هو قلت ذلك الوهم بالنسبة إلينا وإلى زماننا لا بالنسبة إلى ما يكون في نفس الأمر فإن نفس الأمر بمعزل عن حقيقة الانتقال من جانب إلى جانب إذا كان المنتقل إليه منزهاً عن الجانب وعن الجهة
ثم قال تعالى
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُاْ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ذَالِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِى ٌّ حَمِيدٌ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُواْ قُلْ بَلَى وَرَبِّى لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ
اعلم أن قوله أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُاْ الَّذِينَ كَفَرُواْ خطاب لكفار مكة وذلك إشارة إلى الويل الذي ذاقوه في الدنيا وإلى ما أعد لهم من العذاب في الآخرة فقوله فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ أي شدة أمرهم مثل قوله ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ وقوله ذالِكَ بِأَنَّهُ أي بأن الشأن والحديث أنكروا أن يكون الرسول بشراً ولم ينكروا أن يكون معبودهم حجراً فكفروا وتولوا وكفروا بالرسل وأعرضوا واستغنى الله عن طاعتهم وعبادتهم من الأزل وقوله تعالى وَاللَّهُ غَنِى ٌّ حَمِيدٌ من جملة ما سبق والحميد بمعنى المحمود أي المستحق للحمد بذاته ويكون بمعنى الحامد وقوله تعالى زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ قال في ( الكشاف ) الزعيم


الصفحة التالية
Icon