عليه ولما بطل هذا التأويل ثبت أن الحق هو التأويل الأول وهو أنه تعالى هدى جميع المكلفين سواء آمن أو كفر وبطل بهذا قول المجبرة أنه تعالى لم يهد الكافر إلى الإيمان أجاب أصحابنا بأنه تعالى لما علم من الكافر أنه لا يؤمن ثم كلفه بأن يؤمن فقد كلفه بأن يجمع بين العلم بعدم الإيمان ووجود الإيمان وهذا تكليف بالجمع بين المتنافيين فإن لم يصر هذا عذراً في سقوط التهديد والوعيد جاز أيضاً أن يخلق الكفر فيه ولا يصير ذلك عذراً في سقوط الوعيد وإذا ثبت هذا ظهر أن هذا التأويل هو الحق وأن التأويل اللائق بقول المعتزلة ليس بحق وبطل به قول المعتزلة
المسألة الثانية أنه تعالى ذكر نعمه على الإنسان فابتدأ بذكر النعم الدنيوية ثم ذكر بعده النعم الدينية ثم ذكر هذه القسمة
واعلم أنه لا يمكن تفسير الشاكر والكفور بمن يكون مشتغلاً بفعل الشكر وفعل الكفران وإلا لم يتحقق الحصر بل المراد من الشاكر الذي يكون مقراً معترفاً بوجوب شكر خالقه عليه والمراد من الكفور الذي لا يقر بوجوب الشكر عليه إما لأنه ينكر الخالق أو لأنه وإن كان يثبته لكنه ينكر وجوب الشكر عليه وحينئذ يتحقق الحصر وهو أن المكلف إما أن يكون شاكراً وإما أن يكون كفوراً واعلم أن الخوارج احتجوا بهذه الآية على أنه لا واسطة بين المطيع والكافر قالوا لأن الشاكر هو المطيع والكفور هو الكافر والله تعالى نفى الواسطة وذلك يقتضي أن يكون كل ذنب كفراً وأن يكون كل مذنب كافراً واعلم أن البيان الذي لخصناه يدفع هذا الإشكال فإنه ليس المراد من الشاكر الذي يكون مشتغلاً بفعل الشكر فإن ذلك باطل طرداً وعكساً أما الطرد فلأن اليهودي قد يكون شاكراً لربه مع أنه لا يكون مطيعاً لربه والفاسق قد يكون شاكراً لربه مع أنه لا يكون مطيعاً لربه وأما العكس فلأن المؤمن قد لا يكون مشتغلاً بالشكر ولا بالكفران بل يكون ساكناً غافلاً عنهما فثبت أنه لا يمكن تفسير الشاكر بذلك بل لا بد وأن يفسر الشاكر بمن يقر بوجوب الشكر والكفور بمن لا يقر بذلك وحينئذ يثبت الحصر ويسقط سؤالهم بالكلية والله أعلم
إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالاً وَسَعِيراً إِنَّ الاٌّ بْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً
قوله تعالى إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالاً وَسَعِيراً
اعلم أنه تعالى لما ذكر الفريقين أتبعهما بالوعيد والوعد وفيه مسائل
المسألة الأولى الاعتداد هو إعداد الشيء حتى يكون عتيداً حاضراً متى احتيج إليه كقوله تعالى هَاذَا مَا لَدَى َّ عَتِيدٌ ( ق ٢٣ ) وأما السلاسل فتشد بها أرجلهم وأما الأغلال فتشد بها أيديهم إلى رقابهم وأما السعير فهو النار التي تسعر عليهم فتوقد فيكونون حطباً لها وهذا من أغلظ أنواع الترهيب والتخويف
المسألة الثانية احتج أصحابنا بهذه الآية على أن الجحيم بسلاسلها وأغلالها مخلوقة لأن قوله تعالى أَعْتَدْنَا أخبار عن الماضي قال القاضي إنه لما توعد بذلك على التحقيق صار كأنه موجود قلنا هذا الذي ذكرتم ترك للظاهر فلا يصار إليه إلا لضرورة
المسألة الثالثة قرىء سلاسلاً بالتنوين وكذلك قَوَارِيرَاْ قَوَارِيرَاْ ومنهم من يصل بغير تنوين ويقف


الصفحة التالية
Icon