فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَومِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَة ً وَسُرُوراً
اعلم أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم أتوا بالطاعات لغرضين طلب رضا الله والخوف من القيامة بين في هذه الآية أنه أعطاهم هذين الغرضين أما الحفظ من هول القيامة فهو المراد بقوله فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَومِ وسمى شدائدها شراً توسعاً على ما علمت واعلم أن هذه الآية أحد ما يدل على أن شدائد الآخرة لا تصل إلا إلى أهل العذاب وأما طلب رضاء الله تعالى فأعطاهم بسببه نضرة في الوجه وسروراً في القلب وقد مر تفسير وَلَقَّاهُمْ في قوله وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّة ً ( الفرقان ٧٥ ) وتفسير النضرة في قوله وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَة ٌ ( القيامة ٢٣ ) والتنكير في سروراً للتعظيم والتفخيم
وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّة ً وَحَرِيراً مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الاٌّ رَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً
والمعنى وجزاهم بصبرهم على الإيثار وما يؤدي إليه من الجوع والعري بستاناً فيه مأكل هنيء وحريراً فيه ملبس بهي ونظيره قوله تعالى وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ( الحج ٢٣ ) أقول وهذا يدل على أن المراد من قوله إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ ( الإنسان ٩ ) ليس هو الإطعام فقط بل جميع أنواع المواساة من الطعام والكسوة ولما ذكر تعالى طعامهم ولباسهم وصف مساكنهم ثم إن المعتبر في المساكن أمور
أحدها الموضع الذي يجلس فيه فوصفه بقوله مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الاْرَائِكِ وهي السرر في الحجال ولا تكون أريكة إلا إذا اجتمعت وفي نصب متكئين وجهان الأول قال الأخفش إنه نصب على الحال والمعنى وجزاهم جنة في حال اتكائهم كما تقول جزاهم ذلك قياماً والثاني قال الأخفش وقد يكون على المدح
والثاني هو المسكن فوصفه بقوله لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً وفيه وجهان أحدهما أن هواءها معتدل في الحر والبرد والثاني أن الزمهرير هو القمر في لغة طيء هكذا رواه ثعلب وأنشد وليلة ظلامها قد اعتكر
قطعتها والزمهرير ما زهر
والمعنى أن الجنة ضياء فلا يحتاج فيها إلى شمس وقمر
وَدَانِيَة ً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً
والثالث كونه بستاناً نزهاً فوصفه الله تعالى بقوله وَدَانِيَة ً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وفي الآية سؤالان الأول ما السبب في نصب وَدَانِيَة ً الجواب ذكر الأخفش والكسائي والفراء والزجاج فيه وجهين أحدهما الحال بالعطف على قوله مُتَّكِئِينَ كما تقول في الدار عبدالله متكئاً ومرسلة عليه الحجال لأنه حيث قال عليهم رجع إلى ذكرهم والثاني الحال بالعطف على محل يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً ( الإنسان ١٣ ) والتقدير غير رائين فيها شمساً ولا زمهريراً وَدَانِيَة ً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا ودخلت الواو للدلالة على أن الأمرين يجتمعان لهم كأنه قيل وجزاهم جنة جامعين فيها بين البعد عن الحر والبرد ودنو الظلال عليهم والثالث أن يكون دانية نعتاً للجنة والمعنى وجزاهم جنة دانية وعلى هذا الجواب تكون دانية صفة


الصفحة التالية
Icon