لموصوف محذوف كأنه قيل وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً وجنة أخرى دانية عليهم ظلالها وذلك لأنهم وعدوا جنتين وذلك لأنهم خافوا بدليل قوله إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبّنَا ( الإنسان ١٠ ) وكل من خاف فله جنتان بدليل قوله وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ ( الرحمن ٤٦ ) وقرىء وَدَانِيَة ً بالرفع على أن ظِلَالُهَا مبتدأ وَدَانِيَة ً خبر والجملة في موضع الحال والمعنى لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً ( الإنسان ١٣ ) والحال أن ظلالها دانية عليهم
السؤال الثاني الظل إنما يوجد حيث توجد الشمس فإن كان لا شمس في الجنة فكيف يحصل الظل هناك والجواب أن المراد أن أشجار الجنة تكون بحيث لو كان هناك شمس لكانت تلك الأشجار مظلله منها
قوله تعالى وَذُلّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً ذكروا في ذللت وجهين الأول قال ابن قتيبة ذللت أدنيت منهم من قولهم حائط ذليل إذا كان قصير السمك والثاني ظللت أي جعلت منقادة ولا تمتنع على قطافها كيف شاءوا قال البراء بن عازب ذللت لهم فهم يتناولون منها كيف شاءوا فمن أكل قائماً لم يؤذه ومن أكل جالساً لم يؤذه ومن أكل مضطجعاً لم يؤذه
واعلم أنه تعالى لما وصف طعامهم ولباسهم ومسكنهم وصف بعد ذلك شرابهم وقدم عليه وصف تلك الأواني التي فيها يشربون فقال
وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِأانِيَة ٍ مِّن فِضَّة ٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّة ٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً
في الآية سؤالات
السؤال الأول قال تعالى وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مّن ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ ( الزخرف ٧١ ) والصحاف هي القصاع والغالب فيها الأكل فإذا كان ما يأكلون فيه ذهباً فما يشربون فيه أولى أن يكون ذهباً لأن العادة أن يتنوق في إناء الشرب مالا يتنوق في إناء الأكل وإذا دلت هذه الآية على أن إناء شربهم يكون من الذهب فكيف ذكر ههنا أنه من الفضة والجواب أنه لا منافاة بين الأمرين فتارة يسقون بهذا وتارة بذاك
السؤال الثاني ما الفرق بين الآنية والأكواب الجواب قال أهل اللغة الأكواب الكيزان التي لا عرى لها فيحتمل أن يكون على معنى أن الإناء يقع فيه الشرب كالقدح والكوب ما صب منه في الإناء كالإبريق
السؤال الثالث ما معنى كانت الجواب هو من يكون في قوله كُنْ فَيَكُونُ أي تكونت قوارير بتكوين الله تفخيماً لتلك الخلقة العجيبة الشأن الجامعة بين صفتي الجوهرين المتباينين
السؤال الرابع كيف تكون هذه الأكواب من فضة ومن قوارير الجواب عنه من وجوه أحدها أن أصل القوارير في الدنيا الرمل وأصل قوارير الجنة هو فضة الجنة فكما أن الله تعالى قادر على أن يقلب الرمل الكثيف زجاجة صافية فكذلك هو قادر على أن يقلب فضة الجنة قارورة لطيفة فالغرض من ذكر هذه الآية التنبيه على أن نسبة قارورة الجنة إلى قارورة الدنيا كنسبة فضة الجنة إلى رمل الدنيا فكما أنه لا نسبة بين


الصفحة التالية
Icon