أنهم لا ينطقون بعذر وعلة في وقت السؤال وهذا الذي ذكرناه إشارة إلى صحة الجوابين الأولين بحسب النظر العقلي فإن قيل لو حلف لا ينطق في هذا اليوم فنطق في جزء من أجزاء اليوم يحنث قلنا مبني الإيمان على العرف والذي ذكرناه بحث عن مفهوم اللفظ من حيث إنه هو ورابعها أن هذه الآية وردت عقيب قول خزنة جهنم لهم انطَلِقُواْ إِلَى ظِلّ ذِى ثَلَاثِ شُعَبٍ فينقادون ويذهبون فكأنه قيل إنهم كانوا يؤمرون في الدنيا بالطاعات فما كانوا يلتفتون أما في هذه الساعة ( فقد ) صاروا منقادين مطيعين في مثل هذا الكليف الذي هو أشق من كل شيء تنبيهاً على أنهم لو تركوا الخصومة في الدنيا لما احتاجوا في هذا الوقت إلى هذا الانقياد الشاق والحاصل أن قوله هَاذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ متقيد بهذا الوقت في هذا العمل وتقييد المطلق بسبب مقدمة الكلام مشهور في العرف بدليل أن المرأة إذا قالت أخرج هذه الساعة من الدار فقال الزوج لو خرجت فأنت طالق فإنه يتقيد هذا المطلق بتلك الخرجة فكذا ههنا
السؤال الثاني قوله وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ يوهم أن لهم عذراً وقد منعوا من ذكره وهذا لا يليق بالحكيم والجواب أنه ليس لهم في الحقيقة عذر ولكن ربما تخيلوا خيالاً فاسداً أن لهم فيه عذراً فهم لا يؤذن لهم في ذلك ذكر العذر الفاسد ولعل ذلك العذر الفاسد هو أن يقول لما كان الكل بقضائك وعلمك ومشيئتك وخلقك فلم تعذبني عليه فإن هذا عذر فاسد إذ ليس لأحد أن يمنع المالك عن التصرف في ملكه كيف شاء وأراد فإن قيل أليس أنه قال رُّسُلاً مُّبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّة ٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وقال وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً والمقصود من كل ذلك أن لا يبقى في قلبه أن له عذراً فهب أن عذره في موقف القيامة فاسد فلم لا يؤذن له في ذكره حتى يذكره ثم بيبن له فساده قلنا لما تقدم الأعذار والإنذار في الدنيا بدليل قوله فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً عُذْراً أَوْ نُذْراً كان إعادتها غير مفيدة
السؤال الثالث لم لم يقل ولا يؤذن لهم فيعتذرون كما قال لا يَقْضِى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ الجواب الفاء ههنا للنسق فقط ولا يفيد كونه جزاء ألبتة ومثله مَّن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ بالرفع والنصب وإنما رفع يعتذرون بالعطف لأنه لو نصب لكان ذلك يوهم أنهم ما يعتذرون لأنهم لم يؤذنوا في الاعتذار وذلك يوهم أن لهم فيه عذراً منعوا عن ذكره وهو غير جائز أما لما رفع كان المعنى أنهم لم يؤذنوا في العذر وهم أيضاً لم يعتذروا لا لأجل عدم الإذن بل لأجل عدم العذر في نفسه ثم إن فيه فائدة أخرى وهي حصول الموافقة في رءوس الآيات لأن الآيات بالواو والنون ولو قيل فيعتذروا لم تتوافق الآيات ألا ترى أنه قال في سورة اقتربت الساعة إِلَى شَى ْء نُّكُرٍ فثقل لأن آياتها مثقلة وقال في موضع آخر وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً وأجمع القراء على تثقيل الأول وتخفيف الثاني ليوافق كل منهما ما قبله


الصفحة التالية
Icon