هَاذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالاٌّ وَّلِينَ فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
اعلم أن هذا هو النوع السابع من أنواع تهديد الكفار وهذا القسم من باب التعذيب بالتقريع والتخجيل فأما قوله هَاذَا يَوْمُ الْفَصْلِ فاعلم أن ذلك اليوم يقع فيه نوعان من الحكومة أحدهما ما بين العبد والرب وفي هذا القسم كل ما يتعلق بالرب فلا حاجة فيه إلى الفصل وهو ما يتعلق بالثواب الذي يستحقه المرء على عمله وكذا في العقاب إنما يحتاج إلى الفصل فيما يتعلق بجانب العبد وهو أن تقرر عليهم أعمالهم التي عملوها حتى يعترفوا
والقسم الثاني ما يكون بين العباد بعضهم مع بعض فإن هذا يدعى على ذاك أنه ظلمني وذاك يدعى على هذا أنه قتلني فههنا لا بد فيه من الفصل وقوله جَمَعْنَاكُمْ وَالاْوَّلِينَ كلام موضح لقوله هَاذَا يَوْمُ الْفَصْلِ لأنه لما كان هذا اليوم يوم فصل حكومات جميع المكلفين فلا بد من إحضار جميع المكلفين لا سيما عند من لا يجوز القضاء على الغائب ثم قال فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ يشير به إلى أنهم كانوا يدفعون الحقوق عن أنفسهم بضروب الحيل والكيد فكأنه قال فههنا إن أمكنكم أن تفعلوا مثل تلك الأفعال المنكرة من الكيد والمكر والخداع والتلبيس فافعلوا وهذا كقوله تعالى فَأْتُواْ بِسُورَة ٍ مّن مِّثْلِهِ ثم إنهم يعلمون أن الحيل منقطعة والتلبيسات غير ممكنة فخطاب الله تعالى لهم في هذه الحالة بقوله فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ نهاية في التخجيل والتقريع وهذا من جنس العذاب الروحاني فلهذا قال عقيبة وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى ظِلَالٍ وَعُيُونٍ وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ هَنِي ئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
اعلم أن هذا هو النوع الثامن من أنواع تهديد الكفار وتعذيبهم وذلك لأن الخصومة الشديدة والنفرة العظيمة كانت في الدنيا قائمة بين الكفار والمؤمنين فصارت تلك النفرة بحيث أن الموت كان أسهل على الكافر من أن يرى للمؤمن دولة وقوة فلما بين الله تعالى في هذه السورة اجتماع أنواع العذاب والخزي والنكال على الكفار بين في هذه الآية اجتماع أنواع السعادة والكرامة في حق المؤمن حتى أن الكافر حال ما يرى نفسه في غاية الذل والهوان والخزي والخسران ويرى خصمه في نهاية العز والكرامة والرفعة والمنقبة تتضاعف حسرته وتتزايد غمومه وهمومه وهذا أيضاً من جنس العذاب الروحاني فلهذا قال في هذه الآية وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ وفي الآية مسائل
المسألة الأولى قال مقاتل والكلبي المراد من قوله إِنَّ الْمُتَّقِينَ الذين يتقون الشرك بالله وأقول هذا القول عندي هو الصحيح الذي لا معدل عنه ويدل عليه وجوه أحدها أن المتقي عن الشرك يصدق عليه أنه متق لأن المتقي عن الشرك ماهية مركبة من قيدين أحدهما أنه متق والثاني خصوص كونه عن الشرك ومتى وجد المركب فقد وجد كل واحد من مفرداته لا محالة فثبت أن كل من صدق عليه أنه متق عن الشرك فقد صدق عليه أنه متق أقصى ما في الباب أن يقال هذه الآية على هذا التقدير تتناول كل من كان متقياً لأي شيء كان إلا أنا نقول كونه كذلك لا يقدح فيما قلناه لأنه خص كل من لم يكن متقياً عن جميع أنواع الكفر فيبقى فيما عداه حجة لأن العالم الذي دخل التخصيص يبقى حجة فيما عداه وثانيها أن


الصفحة التالية
Icon