ثم قال تعالى
إِن تَتُوبَآ إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَة ُ بَعْدَ ذَالِكَ ظَهِيرٌ عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً
قوله إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ خطاب لعائشة وحفصة على طريقة الالتفات ليكون أبلغ في معاتبتهما والتوبة من التعاون على رسول الله ( ﷺ ) بالإيذاء فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا أي عدلت ومالت عن الحق وهو حق الرسول عليه الصلاة والسلام وذلك حق عظيم يوجد فيه استحقاق العتاب بأدنى تقصير وجواب الشرط محذوف للعلم به على تقدير كان خيراً لكما والمراد بالجمع في قوله تعالى قُلُوبُكُمَا التثنية قال الفراء وإنما اختير الجمع على التثنية لأن أكثر ما يكون عليه الجوارح إثنان إثنان في الإنسان كاليدين والرجلين والعينين فلما جرى أكثره على ذلك ذهب بالواحد منه إذا أضيف إلى إثنين مذهب الإثنين وقد مر هذا وقوله تعالى وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ أي وإن تعاونا على النبي ( ﷺ ) بالإيذاء فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ أي لم يضره ذلك التظاهر منكما ومولاه أي وليه وناصره مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ رأس الكروبيين قرن ذكره بذكره مفرداً له من الملائكة تعظيماً له وإظهاراً لمكانته ( عنده ) وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ قال ابن عباس يريد أبا بكر وعمر مواليين النبي ( ﷺ ) على من عاداه وناصرين له وهو قول المقاتلين وقال الضحاك خيارالمؤمنين وقيل من صلح من المؤمنين أي كل من آمن وعمل صالحاً وقيل من برىء منهم من النفاق وقيل الأنبياء كلهم وقيل الخلفاء وقيل الصحابة وصالح ههنا ينوب عن الجمع ويجوز أن يراد به الواحد والجمع وقوله تعالى وَالْمَلَئِكَة ُ بَعْدَ ذالِكَ أي بعد حضرة الله وجبريل وصالح المؤمنين ظَهِيرٍ أي فوج مظاهر للنبي ( ﷺ ) وأعوان له وظهير في معنى الظهراء كقوله وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ( النساء ٦٩ ) قال الفراء والملائكة بعد نصرة هؤلاء ظهير قال أبو علي وقد جاء فعيل مفرداً يراد به الكثرة كقوله تعالى وَلاَ يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً يُبَصَّرُونَهُمْ ( المعارج ١٠ ١١ ) ثم خوف نساءه بقوله تعالى عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مّنكُنَّ قال المفسرون عسى من الله واجب وقرأ أهل الكوفة أَن يُبْدِلَهُ بالتخفيف ثم إنه تعالى كان عالماً أنه لا يطلقهن لكن أخبر عن قدرته أنه إن طلقهن أبدله خيراً منهم تخويفاً لهن والأكثر في قوله طَلَّقَكُنَّ الإظهار وعن أبي عمرو إدغام القاف في الكاف لأنهما من حروف الفم ثم وصف الأزواج اللاتي كان يبدله فقال مُسْلِمَاتٍ أي خاضعات لله بالطاعة مُؤْمِنَاتٍ مصدقات بتوحيد الله تعالى مخلصات قَانِتَاتٍ طائعات وقيل قائمات بالليل للصلاة وهذا أشبه لأنه ذكر السائحات بعد هذا والسائحات الصائمات فلزم أن يكون قيام الليل مع صيام النهار وقرىء ( سيحات ) وهي أبلغ وقيل للصائم سائح لأن السائح لا زاد معه فلا يزال ممسكاً إلى أن يجد من يطعمه فشبه بالصائم الذي يمسك إلى أن يجيء وقت إفطاره وقيل سائحات مهاجرات ثم قال تعالى ثَيّبَاتٍ وَأَبْكَاراً لأن أزواج النبي ( ﷺ ) في الدنيا والآخرة بعضها من الثيب وبعضها من الأبكار فالذكر على حسب ما وقع وفيه إشارة إلى أن تزوج النبي ( ﷺ ) ليس على حسب الشهوة والرغبة بل على حسب ابتغاء مرضات الله تعالى وفي الآية مباحث
البحث الأول قوله بَعْدَ ذَلِكَ تعظيم للملائكة ومظاهرتهم وقرىء تَظَاهَرَا و تتظاهرا و سِحْرَانِ تَظَاهَرَا
البحث الثاني كيف يكون المبدلات خيراً منهن ولم يكن على وجه الأرض نساء خير من أمهات المؤمنين نقول إذا طلقهن الرسول لعصيانهن له وإيذائهن إياه لم يبقين على تلك الصفة وكان غيرهن من الموصوفات بهذه الأوصاف مع الطاعة لرسول الله خيراً منهن


الصفحة التالية
Icon