أما القسم الثاني فهو كالحيوانات التي لا يكون في صورتها حسن ولكن يكون داعية تركيبها حكم باللغة وهي مثل الإبل وغيرها إلا أن ذكر الإبل ههنا أولى لأن إلف العرب بها أكثر وكذا السماء والجبال والأرض فإن دلائل الحدوث والحاجة فيها ظاهرة وليس فيها ما يكون نصيباً للشهوة فلما كان هذا القسم بحيث يكمل نصيب الحكمة فيه مع الأمن من زحمة الشهوة لا جرم أمر الله بالتدبر فيها فهذا ما يحضرنا في هذا الموضع وبالله التوفيق
فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ
اعلم أنه تعالى لما بين الدلائل على صحة التوحيد والمعاد قال لرسوله ( ﷺ ) فَذَكّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكّرٌ وتذكير الرسول إنما يكون بذكر هذه الأدلة وأمثالها والبعث على النظر فيها والتحذير من ترك تلك وذلك بعث منه تعالى للرسول على التذكير والصبر على كل عارض معه وبيان أنه إنما بعث لذلك دون غيره فلهذا قال إِنَّمَا أَنتَ مُذَكّرٌ
لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ
قال صاحب ( الكشاف ) بمصيطر بمسلط كقوله يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ( ق ٤٥ ) وقوله أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ( يونس ٩٩ ) وقيل هو في لغة تميم مفتوح الطاء على أن سيطر متعد عندهم والمعنى أنك ما أمرت إلا بالتذكير فأما أن تكون مسلطاً عليهم حتى تقتلهم أو تكرههم على الإيمان فلا قالوا ثم نسختها آية القتال هذا قول جميع المفسرين والكلام في تفسير هذا الحرف قد تقدم عند قوله أَمْ هُمُ ( الطور ٣٧ ) أما قوله تعالى
إِلاَّ مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيْعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الاٌّ كْبَرَ
ففيه مسائل
المسألة الأولى في الآية قولان أحدهما أنه استثناء حقيقي وعلى هذا التقدير هذا الاستثناء استثناء عماذا فيه احتمالان الأول أن يقال التقدير فذكر إلا من تولى وكفر والثاني أنه استثناء عن الضمير في سَوَاء عَلَيْهِمْ ( الغاشية ٢٢ ) والتقدير لست عليهم بمسيطر إلا من تولى واعترض عليه بأنه عليه السلام ما كان حينئذ مأموراً بالقتال وجوابه لعل المراد أنك لا تصبر مسلطاً إلا على من تولى القول الثاني أنه استثناء منقطع عما قبله كما تقول في الكلام قعدنا نتذكر العلم إلا أن كثيراً من الناس لا يرغب فكذا ههنا التقدير لست بمسئول عليهم لكن من تولى منهم فإن الله يعذبه العذاب الأكبر الذي هو عذاب جهنم قالوا وعلامة كون الاستثناء منقطعاً حسن دخول أن في المستثني وإذا كان الاستثناء متصلاً لم يحسن ذلك ألا ترى أنك تقول عندي مائتان إلا درهماً فلا تدخل عليه أن وههنا يحسن أن فإنك تقول إلا أن من تولى وكفر فيعذبه الله
المسألة الثانية قرىء ( ألا من تولى ) على التنبيه وفي قراءة ابن مسعود ( فإنه يعذبه )
المسألة الثالثة إنما سماه العذاب الأكبر لوجوه أحدها أنه قد بلغ حد عذاب الكفر وهو الأكبر لأن


الصفحة التالية
Icon