يبق على ظهرها شيء وعلى قول المبرد معناه أنها استوت في الانفراش فذهبت دورها وقصورها وسائر أبنيتها حتى تصير كالصحرة الملساء وهذا معنى قول ابن عباس تمد الأرض يوم القيامة
واعلم أن التكرار في قوله دَكّاً دَكّاً معناه دكاً بعد دك كقولك حسبته باباً باباً وعلمته حرفاً حرفاً أي كرر عليها الدك حتى صارت هباءً منثوراً واعلم أن هذا التدكدك لا بد وأن يكون متأخراً عن الزلزلة فإذا زلزلت الأرض زلزلة بعد زلزلة وحركت تحريكاً بعد تحريك انكسرت الجبال التي عليها وانهدمت التلال وامتلأت الأغوار وصارت ملساء وذلك عند انقضاض الدنيا وقد قال تعالى يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَة ُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَة ُ ( النازعات ٧ ٦ ) وقال وَحُمِلَتِ الاْرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّة ً واحِدَة ً ( الحاقة ١٤ ) وقال إِذَا رُجَّتِ الاْرْضُ رَجّاً وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً
الصفة الثانية من صفات ذلك اليوم قوله وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً
واعلم أنه ثبت بالدليل العقلي أن الحركة على الله تعالى محال لأن كل ما كان كذلك كان جسماً والجسم يستحيل أن يكون أزلياً فلا بد فيه من التأويل وهو أن هذا من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ثم ذلك المضاف ما هو فيه وجوه أحدها وجاء أمر ربك بالمحاسبة والمجازاة وثانيها وجاء قهر ربك كما يقال جاءتنا بنو أمية أي قهرهم وثالثها وجاء جلائل آيات ربك لأن هذا يكون يوم القيامة وفي ذلك اليوم تظهر العظائم وجلائل الآيات فجعل مجيئها مجيئاً له تفخيماً لشأن تلك الآيات ورابعها وجاء ظهور ربك وذلك لأن معرفة الله تصير في ذلك اليوم ضرورية فصار ذلك كظهوره وتجليه للخلق فقيل وَجَاء رَبُّكَ أي زالت الشبهة وارتفعت الشكوك خامسها أن هذا تمثيل لظهور آيات الله وتبيين آثار قهره وسلطانه مثلت حاله في ذلك بحال الملك إذا حضر بنفسه فإنه يظهر بمجرد حضوره من آثار الهيبة والسياسة مالا يظهر بحضور عساكره كلها وسادسها أن الرب هو المربى ولعل ملكاً هو أعظم الملائكة هو مربي للنبي ( ﷺ ) جاء فكان هو المراد من قوله وَجَاء رَبُّكَ
أما قوله وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً فالمعنى أنه تنزل ملائكة كل سماء فيصطفون صفاً بعد صف محدقين بالجن والإنس
الصفة الثالثة من صفات ذلك اليوم قوله تعالى وَجِىء يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ونظيره قوله تعالى وَبُرّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ ( الشعراء ٩١ ) قال جماعة من المفسرين جيء بها يوم القيامة مزمومة بسبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها حتى تنصب عن يسار العرش فتشرد شردة لو تركت لأحرقت أهل الجمع قال الأصوليون ومعلوم أنها لا تنفك عن مكانها فالمراد وَبُرّزَتِ أي ظهرت حتى رآها الخلق وعلم الكافر أن مصيره إليها ثم قال يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ واعلم أن تقدير الكلام إذا دكت الأرض وحصل كذا وكذا فيومئذ يتذكر الإنسان وفي تذكره وجوه الأول أنه يتذكر ما فرط فيه لأنه حين كان في الدنيا كانت همته تحصيل الدنيا ثم إنه في الآخرة يتذكر أن ذلك كان ضلالاً وكان الواجب عليه أن تكون همته تحصيل الآخرة الثاني يتذكر أي يتعظ والمعنى أنه ما كان يتعظ في الدنيا فيصير في الآخرة متعظاً فيقول فَقَالُواْ يالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذّبَ بِئَايَاتِ رَبّنَا ( الأنعام ٢٧ ) الثالث يتذكر يتوب وهو مروي عن الحسن ثم قال تعالى وَأَنَّى لَهُ الذّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ ( الدخان ١٣ )


الصفحة التالية
Icon