واعلم أن بين قوله يَتَذَكَّرُ وبين قوله وَأَنَّى لَهُ الذّكْرَى تناقضاً فلا بد من إضمار المضاف والمعنى ومن أين له منفعة الذكرى
ويتفرع على هذه الآية مسألة أصوليه وهي أن قبول التوبة عندنا غير واجب على الله عقلاً وقالت المعتزلة هو واجب فنقول الدليل على قولنا أن الآية دلت ههنا على أن الإنسان يعلم في الآخرة أن الذي يعمله في الدنيا لم يكن أصلح له وإن الذي تركه كان أصلح له ومهما عرف ذلك لا بد وأن يندم عليه وإذا حصل الندم فقد حصلت التوبة ثم إنه تعالى نفى كون تلك التوبة نافعة بقوله وَأَنَّى لَهُ الذّكْرَى فعلمنا أن التوبة لا يجب عقلاً قبولها فإن قيل القوم إنما ندموا على أفعالهم لا لوجه قبحها بل لترتب العقاب عليها فلا جرم ما كانت التوبة صحيحة قلنا القوم لما علموا أن الندم على القبيح لا بد وأن يكون لوجه قبحه حتى يكون نافعاً وجب أن يكون ندمهم واقعاً على هذا الوجه فحينئذ يكونون آتين بالتوبة الصحيحة مع عدم القبول فصح قولنا
يَقُولُ يالَيْتَنِى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى
ثم شرح تعالى ما يقوله هذا الإنسان فقال تعالى يَقُولُ يالَيْتَنِى لَيْتَنِى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى وفيه مسألتان
المسألة الأولى للآية تأويلات
أحدهما لَدَى َّ وَقَدْ قَدَّمْتُ في الدنيا التي كانت حياتي فيها منقطعة لحياتي هذه التي هي دائمة غير منقطعة وإنما قال لِحَيَاتِى ولم يقل لهذه الحياة على معنى أن الحياة كأنها ليست إلا الحياة في الدار الآخرة قال تعالى وَإِنَّ الدَّارَ الاْخِرَة َ لَهِى َ الْحَيَوَانُ ( العنكبوت ٦٤ ) أي لهي الحياة
وثانيها أنه تعالى قال في حق الكافر وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيّتٍ ( إبراهيم ١٧ ) وقال فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى ( طه ٧٤ ) وقال وَيَتَجَنَّبُهَا الاْشْقَى الَّذِى يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى ( الأعلى ١٣ ١١ ) فهذه الآية دلت على أن أهل النار في الآخرة كأنه لا حياة لهم والمعنى فياليتني قدمت عملاً يوجب نجاتي من النار حتى أكون من الأحياء
وثالثها أن يكون المعنى فياليتني قدمت وقت حياتي في الدنيا كقولك جئته لعشر ليال خلون من رجب
المسألة الثانية استدلت المعتزلة بهذه الآية على أن الاختيار كان في أيديهم ومعلقاً بقصدهم وإرادتهم وأنهم ما كانوا محجوبين عن الطاعات مجترئين على المعاصي وجوابه أن فعلهم كان معلقاً بقصدهم فقصدهم إن كان معلقاً بقصد آخر لزم التسلسل وإن كان معلقاً بقصد الله فقد بطل الاعتزال ثم قال تعالى
فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ
وفيه مسألتان


الصفحة التالية
Icon