المسألة الأولى قراءة العامة يعذب ويوثق بكسر العين فيهما قال مقاتل معناه فيومئذ لا يعذب عذاب الله أحد من الخلق ولا يوثق وثاق الله أحد من الخلق والمعنى لا يبلغ أحد من الخلق كبلاغ الله في العذاب والوثاق قال أبو عبيدة هذا التفسير ضعيف لأنه ليس يوم القيامة معذب سوى الله فكيف يقال لا يعذب أحد في مثل عذابه وأجيب عن هذا الاعتراض من وجوه الأول أن التقدير لا يعذب أحد في الدنيا عذاب الله الكافر يومئذ ولا يوثق أحد في الدنيا وثاق الله الكافر يومئذ والمعنى مثل عذابه ووثاقه في الشدة والمبالغة الثاني أن المعنى لا يتولى يوم القيامة عذاب الله أحد أي الأمر يومئذ أمره ولا أمر لغيره الثالث وهو قول أبي علي الفارسي أن يكون التقدير لا يعذب أحد من الزبانية مثل ما يعذبونه فالضمير في عذابه عائد إلى الإنسان وقرأ الكسائي لا يعذب ولا يوثق بفتح العين فيها واختاره أبو عبيدة وعن أبي عمرو أنه رجع إليها في آخر عمره لما روى أن رسول الله ( ﷺ ) قرأهما بالفتح والضمير للإنسان الموصوف وقيل هو أبي بن خلف ولهذه القراءة تفسيران أحدهما لا يعذب أحد مثل عذابه ولا يوثق بالسلاسل والأغلال مثل وثاقه لتناهيه في كفره وفساده والثاني أنه لا يعذب أحد من الناس عذاب الكافر كقوله وَلاَ تَزِرُ وَازِرَة ٌ وِزْرَ أُخْرَى ( فاطر ١٨ ) قال الواحدي وهذه أولى الأقوال
المسألة الثانية العذاب في القراءتين بمعنى التعذيب والوثاق بمعنى الإيثاق كالعطاء بمعنى الإعطاء في قوله أكفراً بعد رد الموت عن
وبعد عدائك المائة الرتاعا
ياأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة ُ
اعلم أنه تعالى لما وصف حال من اطمأن إلى الدنيا وصف حال من أطمأن إلى معرفته وعبوديته فقال وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ وفيه مسائل
المسألة الأولى تقدير هذا الكلام يقول الله للمؤمن وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ فإما أن يكلمه إكراماً له كما كلم موسى عليه السلام أو على لسان ملك وقال القفال هذا وإن كان أمراً في الظاهر لكنه خبر في المعنى والتقدير أن النفس إذا كانت مطمئنة رجعت إلى الله وقال الله لها فَادْخُلِى فِى عِبَادِى وَادْخُلِى جَنَّتِى ( الفجر ٣٠ ٢٩ ) قال ومجيء الأمر بمعنى الخبر كثير في كلامهم كقولهم إذا لم تستح فاصنع ما شئت
المسألة الثانية الاطمئنان هو الاستقرار والثبات وفي كيفية هذا الاستقرار وجوه أحدها أن تكون متيقنة بالحق فلا يخالجها شك وهو المراد من قوله وَلَاكِن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى ( البقرة ٢٦٠ ) وثانيها النفس الآمنة التي لا يستفزها خوف ولا حزن ويشهد لهذا التفسير قراءة أبي بن كعب يا أيتها النفس الآمنة المطمئنة وهذه الخاصة قد تحصل عند الموت عند سماع قوله أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنَّة ِ ( فصلت ٣٠ ) وتحصل عند البعث وعند دخول الجنة لا محالة وثالثها وهو تأويل مطابق للحقائق


الصفحة التالية
Icon