النداء الذي صار كالصارف للكفار عن قبول الإيمان وكالقاطع على الرسول أعظم مهماته أولى أن يكون ذنباً ومعصية فثبت بهذا أن الذي فعله ابن أم مكتوم كان ذنباً ومعصية وأن الذي فعله الرسول كان هو الواجب وعند هذا يتوجه السؤال في أنه كيف عاتبه الله تعالى على ذلك الفعل
السؤال الثاني أنه تعالى لما عاتبه على مجرد أنه عبس في وجهه كان تعظيماً عظيماً من الله سبحانه لابن أم مكتوم وإذا كان كذلك فكيف يليق بمثل هذا التعظيم أن يذكره باسم الأعمى مع أن ذكر الإنسان بهذا الوصف يقتضي تحقير شأنه جداً
السؤال الثالث الظاهر أنه عليه الصلاة والسلام كان مأذوناً في أن يعامل أصحابه على حسب ما يراه مصلحة وأنه عليه الصلاة والسلام كثيراً ما كان يؤدب أصحابه ويزجرهم عن أشياء وكيف لا يكون كذلك وهو عليه الصلاة والسلام إنما بعث ليؤدبهم وليعلمهم محاسن الآداب وإذا كان كذلك كان ذلك التعبيس داخلاً في إذن الله تعالى إياه في تأديب أصحابه وإذا كان ذلك مأذوناً فيه فكيف وقعت المعاتبة عليه فهذا جملة ما يتعلق بهذا الموضع من الإشكالات والجواب عن السؤال الأول من وجهين الأول أن الأمر وإن كان على ما ذكرتم إلا أن ظاهر الواقعة يوهم تقديم الأغنياء على الفقراء وانكسار قلوب الفقراء فلهذا السبب حصلت المعاتبة ونظيره قوله تعالى وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاة ِ وَالْعَشِى ّ ( الأنعام ٥٢ ) والوجه الثاني لعل هذا العتاب لم يقع على ما صدر من الرسول عليه الصلاة والسلام من الفعل الظاهر بل على ما كان منه في قلبه وهو أن قلبه عليه الصلاة والسلام كان قد مال إليهم بسبب قرابتهم وشرفهم وعلو منصبهم وكان ينفر طبعه عن الأعمى بسبب عماه وعدم قرابته وقلة شرفه فلما وقع التعبيس والتولي لهذه الداعية وقعت المعاتبة لا على التأديب بل على التأديب لأجل هذه الداعية والجواب عن السؤال الثاني أن ذكره بلفظ الأعمى ليس لتحقير شأنه بل كأنه قيل إنه بسبب عماه استحق مزيد الرفق والرأفة فكيف يليق بك يا محمد أن تخصه بالغلظة والجواب عن السؤال الثالث أنه كان مأذوناً في تأديب أصحابه لكن ههنا لما أوهم تقديم الأغنياء على الفقراء وكان ذلك مما يوهم ترجيح الدنيا على الدين فلهذا السبب جاءت هذه المعاتبة
المسألة الثانية القائلون بصدور الذنب عن الأنبياء عليهم السلام تمسكوا بهذه الآية وقالوا لما عاتبه الله في ذلك الفعل دل على أن ذلك الفعل كان معصية وهذا بعيد فإنا قد بينا أن ذلك كان هو الواجب المتعين لا بحسب هذا الاعتبار الواحد وهو أنه يوهم تقديم الأغنياء على الفقراء وذلك غير لائق بصلابة الرسول عليه الصلاة والسلام وإذا كان كذلك كان ذلك جارياً مجرى ترك الاحتياط وترك الأفضل فلم يكن ذلك ذنباً ألبتة
المسألة الثالثة أجمع المفسرون على أن الذي عبس وتولى هو الرسول عليه الصلاة والسلام وأجمعوا ( على ) أن الأعمى هو ابن أم مكتوم وقرىء عبس بالتشديد للمبالغة ونحوه كلح في كلح أن جاءه منصوب بتولى أو بعبس على اختلاف المذهبين في إعمال الأقرب أو الأبعد ومعناه عبس لأن جاءه الأعمى وأعرض لذلك وقرىء أن جاءه بهمزتين وبألف بينهما وقف على عَبَسَ وَتَوَلَّى ثم ابتدأ على معنى ألآن جاءه الأعمى والمراد منه الإنكار عليه واعلم أن في الأخبار عما فرط من رسول الله ثم الإقبال عليه