فإن الطعام الذي يتناول الإنسان له حالتان إحداهما متقدمة وهي الأمور التي لا بد من وجودها حتى يدخل ذلك الطعام في الوجود والثانية متأخرة وهي الأمور التي لا بد منها في بدن الإنسان حتى يحصل له الانتفاع بذلك الطعام المأكول ولما كان النوع الأول أظهر للحسن وأبعد عن الشبهة لا جرم اكتفى الله تعالى بذكره لأن دلائل القرآن لا بد وأن تكون بحيث ينتفع بها كل الخلق فلا بد وأن تكون أبعد عن اللبس والشبهة وهذا هو المراد من قوله فلينظر الإنسان إلى طعامه واعلم أن النبت أنما يحصل من القطر النازل من السماء الواقع في الأرض فالسماء كالذكر والأرض كالأنثى فذكر في بيان نزل القطر
قوله أنا صببنا الماء صبا وفيه مسألتان
المسألة الأولى قوله صببنا المراد منه الغيث ثم انظر في انه كيف حدث الغيث المشتمل على هذه المياه العظيمة وكيف بقي معلقا في جو السماء مع غاية ثقله وتأمل في أسبابه القريبة والبعيدة حتى يلوح لك شيء من آثار نور الله وعدله وحكمته وفي تدبير خلقة هذا العالم
المسألة الثانية قرئ إنا بالكسر وهو على الاستئناف وأنا بالفتح على البدل من الطعام والتقدير فلينظر الإنسان إلى أنا كيف صببنا الماء قال أبو علي الفارسي من قرأ بكسر إنا كان ذلك تفسيرا للنظر إلى طعانه كما أن قوله لهم مغفرة النور ٢٦ تفسير للوعد ومن فتح فعلى معنى البدل بدل الاشتمال لأن هذه الأشياء تشتمل على كون الطعام وحدوثه فهو كقوله ويسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه البقرة ٢١٧ وقوله قتل أصحاب الأخدود النار البروج ٤
قوله تعالى ثم شققنا الأرض شقا والمراد شق الأرض بالنبات ثم ذكر تعالى ثمانية أنواع من النبات
أولها الحب وهو المشار إليه بقوله فأنبتنا فيها حبا وهو كل ما حصد من نحو الحنطة والشعير وغيرهما وإنما قدم ذلك لأنه كالأصل في الأغذية
وثانيها قوله تعالى وعنبا وإنما ذكره بعد الحب لأنه غذاء من وجه وفاكهة من وجه
وثالثها قوله تعالى وقضبا وفيه قولان
الأول أنه الرطبة وهي التي إذا يبست سميت بالقت وأهل مكة يسمونها بالقضب وأصله من القطع وذلك لأنه يقضب مرة بعد أخرى وكذلك القضيب لأنه يقضب أي يقطع وهذا قول ابن عباس والضحاك ومقاتل واختيار الفراء وأبي عبيدة والأصمعي
والثاني قال المبرد القضب هو العلف بعينه وأصله من أنه يقضب أي يقطع وهو قول ابن عباس والضحاك ومقاتل واختيار الفراء وأبي عبيدة والأصمعي
والثاني قال المبرد القضب هو العلف بعينه وأصله من أنه يقضب أي يقطع وهو قول الحسن
والرابع والخامس قوله تعالى وزيتونا ونخلا ومنافعهما قد تقدمت في هذا الكتاب


الصفحة التالية
Icon