وهذا السبت سمي الليل لباساً على وجه المجاز والمراد كون الليل ساتراً لهم وأما وجه النعمة في ذلك فهو أن ظلامة الليل تستر الإنسان عن العيون إذا أراد هرباً من عدو أو بياتاً له أو إخفاء مالا يحب الإنسان إطلاع غيره عليه قال المتنبي وكم لظلام الليل عندي من يد
تخبر أن المانوية تكذب
وأيضاً فكما أن الإنسان بسبب اللباس يزداد جماله وتتكامل قوته ويندفع عنه أذى الحر والبرد فكذا لباس الليل بسبب ما يحصل فيه من النوم يزيد في جمال الإنسان وفي طراوة أعضائه وفي تكامل قواه الحسية والحركية ويندفع عنه أذى التعب الجسماني وأذى الأفكار الموحشة النفسانية فإن المريض إذا نام بالليل وجد الخفة العظيمة
وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً
وسادسها قوله تعالى وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً في المعاش وجهان أحدهما أنه مصدر يقال عاش يعيش عيشاً ومعاشاً ومعيشة وعيشة وعلى هذا التقدير فلا بد فيه من إضمار والمعنى وجعلنا النهار وقت معاش والثاني أن يكون معاشاً مفعلاً وظرفاً للتعيش وعلى هذا لا حاجة إلى الإضمار ومعنى كون النهار معاشاً أن الخلق إنما يمكنهم التقلب في حوائجهم ومكاسبهم في النهار لا في الليل
وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً
وسابعها قوله تعالى وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً أي سبع سموات شداداً جمع شديدة يعني محكمة قوية الخلق لا يؤثر فيها مرور الزمان لا فطور فيها ولا فروج ونظيره وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً ( الأنبياء ٣٢ ) فإن قيل لفظ البناء يستعمل في أسافل البيت والسقف في أعلاه فكيف قال وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً قلنا البناء يكون أبعد من الآفة والانحلال من السقف فذكر قوله وَبَنَيْنَا إشارة إلى أنه وإن كان سقفاً لكنه في البعد عن الانحلال كالبناء فالغرض من اختيار هذا اللفظ هذه الدقيقة
وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً يَوْمَ يُنفَخُ فِى الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً وَفُتِحَتِ السَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً لِّلطَّاغِينَ مَأاباً لَّابِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً جَزَآءً وِفَاقاً
وثامنها قوله تعالى وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً كلام أهل اللغة مضطرب في تفسير الوهاج فمنهم من قال الوهج مجمع النور والحرارة فبين الله تعالى أن الشمس بالغة إلى أقصى الغايات في هذين الوصفين وهو المراد بكونها وهاجاً وروى الكلبي عن ابن عباس أن الوهاج مبالغة في النور فقط يقال للجوهر إذا تلألأ توهج وهذا يدل على أن الوهاج يفيد الكمال في النور ومنه قول الشاعر يصف النور
نوارها متباهج يتوهج وفي كتاب الخليل الوهج حر النار والشمس وهذا يقتضي أن الوهاج هو البالغ في الحر واعلم أن أي هذه الوجود إذا ثبت فالمقصود حاصل
وتاسعها قوله وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا أما المعصرات ففيها قولان الأول وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس وقول مجاهد ومقاتل والكلبي وقتادة إنها الرياح التي تثير السحاب ودليله قوله تعالى الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا الروم ٤٨ فإن قيل على هذا التأويل كان ينبغي أن يقال وأنزلنا بالمعصرات قلنا الجواب من وجهين الأول أن المطر إنما ينزل من السحاب والسحاب إنما


الصفحة التالية
Icon