واجتماع القبيلة الواحدة في مكان واحد أدخل في النعمة من أن يكون الاجتماع من قبائل شتى ونبه تعالى أن من شرط السفر المؤانسة والألفة ومنه قوله تعالى وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجّ والسفر أحوج إلى مكارم الأخلاق من الإقامة القول الثاني أن المراد رحلة الناس إلى أهل مكة فرحلة الشتاء والصيف عمرة رجب وحج ذي الحجة لأنه كان أحدهما شتاء والآخر صيفاً وموسم منافع مكة يكون بهما ولو كان يتم لأصحاب الفيل ما أرادوا لتعطلت هذه المنفعة
المسألة الثانية نصب الرحل بلإيلافهم مفعولاً به وأراد رحلتي الشتاء والصيف فأفرد لأمن الإلباس كقوله كلوا في بعض بطنكم وقيل معناه رحلة الشتاء ورحلة الصيف وقرىء رحلة بضم الراء وهي الجهة
فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَاذَا الْبَيْتِ
قوله تعالى فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَاذَا الْبَيْتِ اعلم أن الإنعام على قسمين أحدهما دفع الضرر والثاني جلب النفع والأول أهم وأقدم ولذلك قالوا دفع الضرر عن النفس واجب أما جلب النفع ( فإنه ) غير واجب فلهذا السبب بين تعالى نعمة دفع الضرر في سورة الفيل ونعمة جلب النفع في هذه السورة ولما تقرر أن الإنعام لا بد وأن يقابل بالشكر والعبودية لا جرم أتبع ذكر النعمة بطلب العبودية فقال فَلْيَعْبُدُواْ وههنا مسائل
المسألة الأولى ذكرنا أن العبادة هي التذلل والخضوع للمعبود على غاية ما يكون ثم قال بعضهم أراد فليوحدوا رب هذا البيت لأنه هو الذي حفظ البيت دون الأوثان ولأن التوحيد مفتاح العبادات ومنهم من قال المراد العبادات المتعلقة بأعمال الجوارح ثم ذكر كل قسم من أقسام العبادات والأولى حمله على الكل لأن اللفظ متناول للكل إلا ما أخرجه الدليل وفي الآية وجه آخر وهو أن يكون معنى فليعبدوا أي فليتركوا رحلة الشتاء والصيف وليشتغلوا بعبادة رب هذا البيت فإنه يطعمهم من جوع ويؤمنهم من خوف ولعل تخصيص لفظ الرب تقرير لما قالوه لأبرهة إن للبيت رباً سيحفظه ولم يعولوا في ذلك على الأصنام فلزمهم لإقرارهم أن لا يعبدوا سواه كأنه يقول لما عولتم في الحفظ علي فاصرفوا العبادة والخدمة إلي
المسألة الثانية الإشارة إلى البيت في هذا النظم تفيد التعظيم فإنه سبحانه تارة أضاف العبد إلى نفسه فيقول يا عبادي وتارة يضيف نفسه إلى العبد فيقول وإلهكم كذا في البيت ( تارة ) يضيف نفسه إلى البيت وهو قوله فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَاذَا الْبَيْتِ وتارة يضيف البيت إلى نفسه فيقول طَهّرَا بَيْتِى َ
الَّذِى أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَءَامَنَهُم مِّنْ خوْفٍ
ثم قال تعالى الَّذِى أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ وفي هذه الإطعام وجوه أحدها أنه تعالى لما آمنهم بالحرم حتى لا يتعرض لهم في رحلتيهم كان ذلك سبب إطعامهم بعدما كانوا فيه من الجوع ثانيها قال مقاتل شق عليهم الذهاب إلى اليمن والشام في الشتاء والصيف لطلب الرزق فقذف الله تعالى في قلوب الحبشة أن يحملوا الطعام في السفن إلى مكة فحملوه وجعل أهل مكة يخرجون إليهم بالإبل والخمر ويشترون طعامهم من جدة على مسيرة ليلتين وتتابع ذلك فكفاهم الله مؤونة الرحلتين ثالثها قال الكلبي


الصفحة التالية
Icon