الكوثر على كثرة الأتباع أو على كثرة الأولاد وعدم انقطاع النسل كان هذا إخباراً عن الغيب وقد وقع مطابقاً له فكان معجزاً وثانيها أنه قال فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ وهو إشارة إلى زوال الفقر حتى يقدر على النحر وقد وقع فيكون هذا أيضاً إخباراً عن الغيب وثالثها قوله إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الاْبْتَرُ وكان الأمر على ما أخبر فكان معجزاً ورابعها أنهم عجزوا عن معارضتها مع صغرها فثبت أن وجه الإعجاز في كمال القرآن إنما تقرر بها لأنهم لما عجزوا عن معارضتها مع صغرها فبأن يعجزوا عن معارضة كل القرآن أولى ولما ظهر وجه الإعجاز فيها من هذه الوجوه فقد تقررت النبوة وإذا تقررت النبوة فقد تقرر التوحيد ومعرفة الصانع وتقرر الدين والإسلام وتقرر أن القرآن كلام الله وإذا تقررت هذه الأشياء تقرر جميع خيرات الدنيا والآخرة فهذه السورة جارية مجرى النكتة المختصرة القوية الوافية بإثبات جميع المقاصد فكانت صغيرة في الصورة كبيرة في المعنى ثم لها خاصية ليست لغيرها وهي أنها ثلاث آيات وقد بينا أن كل واحدة منها معجز فهي بكل واحدة من آياتها معجز وبمجموعها معجز وهذه الخاصية لا توجد في سائر السور فيحتمل أن يكون المراد من الكوثر هو هذه السورة القول الخامس عشر أن المراد من الكوثر جميع نعم الله على محمد عليه السلام وهو المنقول عن ابن عباس لأن لفظ الكوثر يتناول الكثرة الكثيرة فليس حمل الآية على بعض هذه النعم أولى من حملها على الباقي فوجب حملها على الكل وروى أن سعيد بن جبير لما روى هذا القول عن ابن عباس قال له بعضهم إنا ناساً يزعمون أنه نهر في الجنة فقال سعيد النهر الذي في الجنة من الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه وقال بعض العلماء ظاهر قوله إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ يقتضي أنه تعالى قد أعطاه ذلك الكوثر فيجب أن يكون الأقرب حمله على ما آتاه الله تعالى من النبوة والقرآن والذكر الحكيم والنصرة على الأعداء وأما الحوض وسائر ما أعد له من الثواب فهو وإن جاز أن يقال إنه داخل فيه لأن ما ثبت بحكم وعد الله فهو كالواقع إلا أن الحقيقة ما قدمناه لأن ذلك وإن أعد له فلا يصح أن يقال على الحقيقة إنه أعطاه في حال نزول هذه السورة بمكة ويمكن أن يجاب عنه بأن من أقر لولده الصغير بضيعة له يصح أن يقال إنه أعطاه تلك الضيعة مع أن الصبي في تلك الحال لا يكون أهلاً للتصرف والله أعلم
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ
قوله تعالى فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ في الآية مسائل
المسألة الأولى في قوله فَصْلٌ وجوه الأول أن المراد هو الأمر بالصلاة فإن قيل اللائق عند النعمة الشكر فلم قال فصل ولم يقل فاشكر الجواب من وجوه الأول أن الشكر عبارة عن التعظيم وله ثلاثة أركان أحدها يتعلق بالقلب وهو أن يعلم أن تلك النعمة منه لا من غيره والثاني باللسان وهو أن يمدحه والثالث بالعمل وهو أن يخدمه ويتواضع له والصلاة مشتملة على هذه المعاني وعلى ما هو أزيد منها فالأمر بالصلاة أمر بالشكر وزيادة فكان الأمر بالصلاة أحسن وثانيها أنه لو قال فاشكر لكان ذلك يوهم أنه ما كان شاكراً لكنه كان من أول أمره عارفاً بربه مطيعاً له شاكراً لنعمه أما الصلاة فإنه إنما عرفها بالوحي قال مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ الثالث أنه في أول ما أمره بالصلاة قال محمد عليه الصلاة والسلام كيف أصلي ولست على الوضوء فقال الله إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ


الصفحة التالية
Icon