ثم ضرب جبريل بجناحه على الأرض فنبع ماء الكوثر فتوضأ فقيل له عند ذلك فصل فأما إذا حملنا الكوثر على الرسالة فكأنه قال أعطيتك الرسالة لتأمر نفسك وسائر الخلق بالطاعات وأشرفها الصلاة فصل لربك القول الثاني فصل لربك أي فاشكر لربك وهو قول مجاهد وعكرمة وعلى هذا القول ذكروا في فائدة الفاء في قوله فصل وجوهاً أحدها التنبيه على أن شكر النعمة يجب على الفور لا على التراخي وثانيها أن المراد من فاء التعقيب ههنا الإشارة إلى ما قرره بقوله وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ثم إنه خص محمداً ( ﷺ ) في هذا الباب بمزيد مبالغة وهو قوله وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ولأنه قال له فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ أي فعليك بأخرى عقيب الأولى فكيف بعد وصول نعمتي إليك ألا يجب عليك أن تشرع في الشكر عقيب ذلك القول الثالث فصل أي فادع الله لأن الصلاة هي الدعاء وفائدة الفاء على هذا التقدير كأنه تعالى يقول قبل سؤالك ودعائك ما بخلنا عليك بالكوثر فكيف بعد سؤالك لكن ( سل تعطه واشفع تشفع ) وذلك لأنه كان أبداً في هم أمته واعلم أن القول الأول أولى لأنه أقرب إلى عرف الشرع
المسألة الثانية في قوله لِرَبّكَ وَانْحَرْ قولان
الأول وهو قول عامة المفسرين أن المراد هو نحر البدن والقول الثاني أن المراد بقوله وَانْحَرْ فعل يتعلق بالصلاة إما قبلها أو فيها أو بعدها ثم ذكروا فيه وجوهاً أحدها قال الفراء معناها استقبل القبلة وثانيها روى الأصبغ بن نباتة عن علي عليه السلام قال لما نزلت هذه السورة قال النبي عليه الصلاة والسلام لجبريل ( ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي قال ليست بنحيرة ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع وإذا سجدت فإنه صلاتنا وصلاة الملائكة الذين في السموات السبع وإن لكل شيء زينة وزينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة ) وثالثها روى عن علي بن أبي طالب أنه فسر هذا النحر بوضع اليدين على النحر في الصلاة وقال رفع اليدين قبل الصلاة عادة المستجير العائذ ووضعها على النحر عادة الخاضع الخاشع ورابعها قال عطاء معناه اقعد بين السجدتين حتى يبدو نحرك وخامسها روى عن الضحاك وسليمان التيمي أنهما قالا انحر معناه ارفع يديك عقيب الدعاء إلى نحرك قال الواحدي وأصل هذه الأقوال كلها من النحر الذي هو الصدر يقال لمذبح البعير النحر لأن منحره في صدره حيث يبدو الحلقوم من أعلى الصدر فمعنى النحر في هذا الموضع هو إصابة النحر كما يقال رأسه وبطنه إذا أصاب ذلك منه وأما قول الفراء إنه عبارة عن استقبال القبلة فقال ابن الأعرابي النحر انتصاب الرجل في الصلاة بإزاء المحراب وهو أن ينصب نحره بإزاء القبلة ولا يلتفت يميناً ولا شمالاً وقال الفراء منازلهم تتناحر أن تتقابل وأنشد
أبا حكم هل أنت عم مجالد
وسيد أهل الأبطح المتناحر والنكتة المعنوية فيه كأنه تعالى يقول الكعبة بيتي وهي قبلة صلاتك وقلبك وقبلة رحمتء ونظر عنايتي فلتكن القبلتان متناحرتين قال الأكثرون حمله على نحر البدن أولى لوجوه أحدها هو أن الله تعالى كلما ذكر الصلاة في كتابه ذكر الزكاة بعدها وثانيها أن القوم كانوا يصلون وينحرون للأوثان فقيل له فصل وانحر لربك وثالثها أن هذه الأشياء آداب الصلاة وأبعاضها فكانت داخلة تحت قوله الْكَوْثَرَ فَصَلّ لِرَبّكَ فوجب


الصفحة التالية
Icon