فكانت القرابة ووحدة النسب كالمانع من إظهار الخشونة فأمر بالتصريح بتلك الخشونة والتغليظ فقيل له قُلْ وثالثها أنه لما قيل له يَعْمَلُونَ يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ فأمر بتبليغ كل من أنزل عليه فلما قال الله تعالى له قُلْ ياأَهْلَ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ نقل هو عليه السلام هذا الكلام بجملته كأنه قال إنه تعالى أمرني بتبليغ كل ما أنزل علي والذي أنزل علي هو مجموع قوله قُلْ ياأَهْلَ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ فأنا أيضاً أبلغه إلى الخلق هكذا ورابعها أن الكفار كانوا مقرين بوجود الصانع وأنه هو الذي خلقهم ورزقهم على ما قال تعالى وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ والعبد يتحمل من مولاه مالا يتحمله من غيره فلو أنه عليه السلام قال ابتداء فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ لجوزوا أن يكون هذا كلام محمد فلعلهم ما كانوا يتحملونه منه وكانوا يؤذونه أما لما سمعوا قوله قُلْ علموا أنه ينقل هذا التغليظ عن خالق السموات والأرض فكانوا يتحملونه ولا يعظم تأذيهم به وخامسها أن قوله قُلْ يوجب كونه رسولاً من عند الله فكلما قيل له قُلْ كان ذلك كالمنشور الجديد في ثبوت رسالته وذلك يقتضي المبالغة في تعظيم الرسول فإن الملك إذا فوض مملكته إلى بعض عبيده فإذا كان يكتب له كل شهر وسنة منشوراً جديداً دل ذلك على غاية اعتنائه بشأنه وأنه على عزم أن يزيده كل يوم تعظيماً وتشريفاً وسادسها أن الكفار لما قالوا نعبد إلهك سنة وتبعد آلتنا سنة فكأنه عليه السلام قال استأمرت إليه فبه فقال قُلْ ياأَهْلَ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وسابعها الكفار قالوا فيه السوء فهو تعالى زجرهم عن ذلك وأجابهم وقال إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الاْبْتَرُ وكأنه تعالى قال حين ذكروك بسوء فأنا كنت المجيب بنفسي فحين ذكروني بالسوء وأثبتوا لي الشركاء فكن أنت المجيب قُلْ ياأَهْلَ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا وثامنها أنهم سموك أبتر فإن شئت أن تستوفي منهم القصاص فاذكرهم بوصف ذم بحيث تكون صادقاً فيه قُلْ ياأَهْلَ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لكن الفرق أنهم عابوك بما ليس من فعلك وأنت تعيبهم بما هو فعلهم وتاسعها أن بتقدير أن تقول يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدونه والكفار يقولون هذا كلام ربك أم كلامك فإن كان كلام ربك فربك يقول أنا لا أعبد هذه الأصنام ونحن لا نطلب هذه العبادة من ربك إنما نطلبها منك وإن كان هذا كلامك فأنت قلت من عند نفسك إني لا أعبد هذه الأصنام فلم قلت إن ربك هو الذي أمرك بذلك أما لما قال قل سقط هذا الاعتراض لأن قوله قُلْ يدل على أنه مأمور من عند الله تعالى بأن لا يعبدها ويتبرأ منها وعاشرها أنه لو أنزل قوله فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ لكان يقرؤها عليهم لا محالة لأنه لا يجوز أن يخون في الوحي إلا أنه لما قال قُلْ كان ذلك كالتأكيد في إيجاب تبليغ هذا الوحي إليهم والتأكيد يدل على أن ذلك الأمر أمر عظيم فبهذا الطريق تدل هذه الكلمة على أن الذي قالوه وطلبوه من الرسول أمر منكر في غاية القبح ونهاية الفحش الحادي عشر كأنه تعالى يقول كانت التقية جائزة عند الخوف أما الآن لما قوينا قلبك بقولنا إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ وبقولنا إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الاْبْتَرُ فلا تبال بهم ولا تلتفت إليهم و قُلْ ياأَهْلَ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ الثاني عشر أن خطاب الله تعالى مع العبد من غير واسطة يوجب التعظيم ألا ترى أنه تعالى ذكر من أقسام إهانة الكفار إنه تعالى لا يكلمهم فلو قال فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ لكان ذلك من حيث أنه خطاب مشافهة يوجب التعظيم ومن حيث أنه وصف لهم بالكفر يوجب الإيذاء فينجبر الإيذاء بالإكرام أما لما قال قُلْ ياأَهْلَ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ فحينئذ يرجع تشريف