المخاطبة إلى محمد ( ﷺ ) وترجع الإهانة الحاصلة لهم بسبب وصفهم بالكفر إلى الكفار فيحصل فيه تعظيم الأولياء وإهانة الأعداء وذلك هو النهاية في الحسن الثالث عشر أن محمداً عليه السلام كان منهم وكان في غاية الشفقة عليهم والرأفة بهم وكانوا يعلمون منه أنه شديد الاحتراز عن الكذب والأب الذي يكون في غاية الشفقة بولده ويكون في نهاية الصدق والبعد عن الكذب ثم إنه يصف ولده بعيب عظيم فالولد إن كان عاقلاً يعلم أنه ما وصفه بذلك مع غاية شفقته عليه إلا لصدقه في ذلك ولأنه بلغ مبلغاً لا يقدر على إخفائه فقال تعالى قُلْ يا محمد لهم أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ليعلموا أنك لما وصفتهم بذلك مع غاية شفقتك عليهم وغاية احترازك عن الكذب فهو موصوفون بهذه الصفة القبيحة فربما يصير ذلك داعياً لهم إلى البراءة من هذه الصفة والاحتراز عنها الرابع عشر أن الإيذاء والايحاش من ذوي القربى أشد وأصعب من الغير فأنت من قبيلتهم ونشأت فيما بين أظهرهم فقل لهم فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ فلعله يصعب ذلك الكلام عليهم فيصير ذلك داعياً لهم إلى البحث والنظر والبراءة عن الكفر الخامس عشر كأنه تعالى يقول ألسنا بينا في سورة وَالْعَصْرِ إِنَّ الإنسَانَ لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ وفي سورة الكوثر إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ وأتيت بالإيمان والأعمال الصالحات بمقتضى قولنا فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ بقي عليك التواصي بالحق والتواصي بالصبر وذلك هو أن تمنعهم بلسانك وبرهانك عن عبادة غير الله فقل قُلْ يأَيُّهَا الْكَافِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ السادس عشر كأنه تعالى يقول يا محمد أنسيت أنني لما أخرت الوحي عليك مدة قليلة قال الكافرون إنه ودعه ربه وقلاه فشق عليك ذلك غاية المشقة حتى أنزلت عليك السورة وأقسمت بالضحى وَالَّيْلِ إِذَا سَجَى أنه وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى فلما لم تستجز أن أتركك شهراً ولم يطب قلبك حتى ناديت في العالم بأنه مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى أفتستجيز أن تتركني شهراً وتشتغل بعبادة آلهتهم فلما ناديت بنفي تلك التهمة فناد أنت أيضاً في العالم بنفي هذه التهمة و قُلْ ياأَهْلَ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا السابع عشر لما سألوا منه أن يعبد آلهتهم سنة ويعبدوا إلهه سنة فهو عليه السلام سكت ولم يقل شيئاً لا لأنه جوز في قلبه أن يكون الذي قالوه حقاً فإنه كان قاطعاً بفساد ما قالوه لكنه عليه السلام توقف في أنه بماذا يجيبهم أبأن يقيم الدلائل العقلية على امتناع ذلك أو بأن يزجرهم بالسيف أو بأن ينزل الله عليهم عذاباً فاغتنم الكفار ذلك السكوت وقالوا إن محمداً مال إلى ديننا فكأنه تعالى قال يا محمد إن توقفك عن الجواب في نفس الأمر حق ولكنه أوهم باطلاً فتدارك إزالة ذلك الباطل وصرح بما هو الحق و قُلْ ياأَهْلَ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ الثامن عشر أنه عليه السلام لما قال له ربه ليلة المعراج أثن علي استولى عليه هيبة الحضرة الإلهية فقال لا أحصي ثناء عليك فوقع ذلك السكوت منه في غاية الحسن فكأنه قيل له إن سكت عن الثناء رعاية لهيبة الحضرة فأطلق لسانك في مذمة الأعداء و قُلْ ياأَهْلَ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ حتى يكون سكوتك الله وكلامك الله وفيه تقرير آخر وهو أن هيبة الحضرة سلبت عنك قدرة القول فقل ههنا حتى إن هيبة قولك تسلب قدرة القول عن هؤلاء الكفار التاسع عشر لو قال له لا تعبد ما يعبدون لم يلزم منه أن يقول بلسانه لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ أما لما أمره بأن يقول بلسانه لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ يلزمه أن لا يعبد ما يعبدون إذ لو فعل ذلك لصار كلامه كذباً فثبت أنه لما قال له قل لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ فلزمه أن يكون منكراً لذلك بقلبه ولسانه وجوارحه ولو قال له لا تعبد ما يعبدون لزمه تركه


الصفحة التالية
Icon