أما لا يلزمه إظهار إنكاره باللسان ومن المعلوم أن غاية الإنكار إنما تحصل إذا تركه في نفسه وأنكره بلسانه فقوله له قُلْ يقتضي المبالغة في الأنكار فلهذا قال قُلْ لاَّ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ العشرون ذكر التوحيد ونفي الأنداد جنة للعارفين ونار للمشركين فاجعل لفظك جنة للموحدين وناراً للمشركين و قُلْ ياأَهْلَ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ الحادي والعشرون أن الكفار لما قالوا نعبد إلهك سنة وتعبد آلهتنا سنة سكت محمد فقال إن شافهتهم بالرد تأذوا وحصلت النفرة عن الإسلام في قلوبهم فكأنه تعالى قال له يا محمد لم سكت عن الرد أما الطمع فيما يعدونك من قبول دينك فلا حاجة بك في هذا المعنى إليهم فَإِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ وأما الخوف منهم فقد أزلنا عنك الخوف بقولنا أَنَاْ شَانِئَكَ هُوَ الاْبْتَرُ فلا تلتفت إليهم ولا تبال بكلامهم وَقُلْ قُلْ يأَيُّهَا الْكَافِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ الثاني والعشرون أنسيت يا محمد أني قدمت حقك على حق نفسي فقلت لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فقدمت أهل الكتاب في الكفر على المشركين لأن طعن المشركين في فقدمت حقك على حق نفسي وقدمت أهل الكتاب في الذم على المشركين وأنت أيضاً هكذا كنت تفعل فإنهم لما كسروا سنك قلت ( اللهم أهد قومي ) ولما شغلوك يوم الخندق عن الصلاة قلت ( اللهم املأ بطونهم ناراً ) فههنا أيضاً قدم حقي على حق نفسك وسواء كنت خائفاً منهم أو لست خائفاً منهم فأظهر إنكار قولهم وَقُلْ قُلْ يأَيُّهَا الْكَافِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ الثالث والعشرون كأنه تعالى يقول قصة امرأة زيد واقعة حقيرة بالنسبة إلى هذه الواقعة ثم إنني هناك ما رضيت منك أن تضمر في قلبك شيئاً ولا تظهره بلسانك بل قلت لك على سبيل العتاب وَتُخْفِى فِى نِفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فإذا كنت لم أرض منك في تلك الواقعة الحقيرة إلا بالإظهار وترك المبالاة بأقوال الناس فكيف أرضى منك في هذه المسألة وهي أعظم المسائل خطراً بالسكوت قل بصريح لسانك وَاشْكُرُواْ للَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ الرابع والعشرون يا محمد ألست قلت لك وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِى كُلّ قَرْيَة ٍ نَّذِيراً ثم إني مع هذه القدرة راعيت جانبك وطيبت قلبك وناديت في العالمين بأني لا أجعل الرسالة مشتركة بينه وبين غيره بل الرسالة له لا لغيره حيث قلت وَلَاكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيّينَ فأنت مع علمك بأنه يستحيل عقلاً أن يشاركني غيري في المعبودية أولى أن تنادي في العالمين بنفي هذه الشركة فقل قُلْ يأَيُّهَا الْكَافِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ الخامس والعشرون كأنه تعالى يقول القوم جاؤك وأطمعوك في متابعتهم لك ومتابعتك لدينهم فسكت عن الأنكار والرد ألست أنا جعلت البيعة معك بيعة معي حيث قلت إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ وجعلت متابعتك متابعة لي حيث قلت قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ثم إني ناديت في العالمين وقلت أَنَّ اللَّهَ بَرِىء عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فصرح أنت أيضاً بذلك و قُلْ ياأَهْلَ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ السادس والعشرون كأنه تعالى يقول ألست أرأف بك من الولد بولده ثم العرى والجوع مع الوالد أحسن من الشبع مع الأجانب كيف والجوع لهم لأن أصنامهم جائعة عن الحياة عارية عن الصفات وهم جائعون عن العلم عارون عن التقوى فقد جربتني ألم أجدك


الصفحة التالية
Icon