ودخل مكة وقال إن محمداً جاء بعسكر لا يطيقه أحد فصاحت هند وقالت اقتلوا هذا المبشر وأخذت بلحيته فصاح الرجل ودفعها عن نفسه ولما سمع أبو سفيان أذان القوم للفجر وكانوا عشرة آلاف فزع لذلك فزعاً شديداً وسأل العباس فأخبره بأمر الصلاة ودخل رسول الله مكة على راحلته ولحيته على قربوس سرجه كالساجد تواضعاً وشكراً ثم التمس أبو سفيان الأمان فقال من دخل دار أبي سفيان فهو آمن فقال ومن تسع داري فقال ومن دخل المسجد فهو آمن فقال ومن يسع المسجد فقال من ألقى سلاحه فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ثم وقف رسول الله ( ﷺ ) على باب المسجد وقال لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم قال يا أهل مكة ما ترون إني فاعل بكم فقالوا خير أخ كريم وابن أخ كريم فقال اذهبوا فأنتم الطلقاء فاعتقهم فلذلك سمي أهل مكة الطلقاء ومن ذلك كان علي عليه السلام يقول لمعاوية أنى يستوي المولى والمعتق يعني اعتقناكم حين مكننا الله من رقابكم ولم يقل اذهبوا فأنتم معتقون بل قال الطلقاء لأن المعتق يجوز أن يرد إلى الرق والمطلقة يجوز تعاد إلى رق النكاح وكانوا بعد على الكفر فكان يجوز أن يخونوا فيستباح رقهم مرة أخرى ولأن الطلاق يخص النسوان وقد ألقوا السلاح وأخذوا المساكن كالنسوان ولأن المعتق يخلى سبيله يذهب حيث شاء والمطلقة تجلس في البيت للعدة وهم أمروا بالجلوس بمكة كالنسوان ثم إن القوم بايعوا رسول الله ( ﷺ ) على الإسلام فصاروا يدخلون في دين الله أفواجاً روى أنه عليه السلام صلى ثمان ركعات أربعة صلاة الضحى وأربعة أخرى شكراً لله نافلة فهذه هي قصة فتح مكة والمشهور عند المفسرين أن المراد من الفتح في هذه السورة هو فتح مكة ومما يدل على أن المراد بالفتح فتح مكة أنه تعالى ذكره مقروناً بالنصر وقد كان يجد النصر دون الفتح كبدر والفتح دون النصر كأجلاء بني النضير فإنه فتح البلد لكن لم يأخذ القوم أما يوم فتح مكة اجتمع له الأمران النصر والفتح وصار الخلق له كالأرقاء حتى أعتقهم القول الثاني أن المراد فتح خيبر وكان ذلك على يد علي عليه السلام والقصة مشهورة روى أن أستصحب خالد بن الوليد وكان يساميه في الشجاعة فلما نصب السلم قال لخالد أتتقدم قال لا فلما تقدم علي عليه السلام سأله كم صعدت فقال لا أدري لشدة الخوف وروى أنه قال لعلي عليه السلام ألا تصارعني فقال ألست صرعتك فقال نعم لكن ذاك قبل إسلامي ولعل علياً عليه السلام إنما امتنع عن مصارعته ليقع صيته في الإسلام أنه رجل يمتنع عنه علي أو كان علي يقول صرعتك حين كنت كافراً أما الآن وأنت مسلم فلا يحسن أن أصرعك القول الثالث أنه فتح الطائف وقصته طويلة والقول الرابع المراد النصر على الكفار وفتح بلاد الشرك على الإطلاق وهو قول أبي مسلم والقول الخامس أراد بالفتح ما فتح الله عليه من العلوم ومنه قوله وَقُل رَّبّ زِدْنِى عِلْماً لكن حصول العلم لا بد وأن يكون مسبوقاً بانشراح الصدر وصفاء القلب وذلك هو المراد من قوله إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ ويمكن أن يكون المراد بنصر الله إعانته على الطاعة والخيرات والفتح هو انتفاع عالم المعقولات والروحانيات
المسألة الثانية إذا حملنا الفتح على فتح مكة فللناس في وقت نزول هذه السورة قولان أحدهما أن فتح مكة كان سنة ثمان ونزلت هذه السورة سنة عشر وروى أنه عاش بعد نزول هذه السورة سبعين يوماً ولذلك سميت سورة التوديع والقول الثاني أن هذه السورة نزلت قبل فتح مكة وهو وعد لرسول الله أن ينصره على أهل مكة وأن يفتحها عليه ونظيره قوله تعالى إِنَّ الَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءانَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ


الصفحة التالية
Icon