السلام أمامه كالمحتاج وجعل يدعوه إلى الإسلام وقال إن كان يمنعك العار فأجبني في هذا الوقت واسكت فقال لا أومن بك حتى يؤمن بك هذا الجدي فقال عليه الصلاة والسلام للجدي من أنا فقال رسول الله وأطلق لسانه يثني عليه فاستولى الحسد على أبي لهب فأخذ يدي الجدي ومزقه وقال تباً لك أثر فيك السحر فقال الجدي بل تباً لك فنزلت السورة على وفق ذلك تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ لتمزيقه يدي الجدي وخامسها قال محمد بن إسحق يروى أن أبا لهب كان يقول يعدني محمد أشياء لا أرى أنها كائنة يزعم أنها بعد الموت فلم يضع في يدي من ذلك شيئاً ثم ينفخ في يديه ويقول تباً لكما ما آرى فيكما شيئاً فنزلت السورة
أما قوله تعالى وَتَبَّ ففيه وجوه أحدها أنه أخرج الأول مخرج الدعاء عليه كقوله قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ والثاني مخرج الخبر أي كان ذلك وحصل ويؤيده قراءة ابن مسعود وقد تب وثانيها كل واحد منهما إخبار ولكن أراد بالأول هلاك عمله وبالثاني هلاك نفسه ووجهه أن المرء إنما يسعى لمصلحة نفسه وعمله فأخبر الله تعالى أنه محروم من الأمرين وثالثها تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ يعني ماله ومنه يقال ذات اليد وَتَبَّ هو بنفسه كما يقال خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ وهو قول أبي مسلم ورابعها تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ يعني نفسه وَتَبَّ يعني ولده عتبة على ما روى أن عتبة بن أبي لهب خرج إلى الشأم مع أناس من قريش فلما هموا أن يرجعوا قال لهم عتبة بلغوا محمداً عني أني قد كفرت بالنجم إذا هوى وروى أنه قال ذلك في وجه رسول الله وتفل في وجهه وكان مبالغاً في عداوته فقال اللهم سلط عليه كلباً من كلابك فوقع الرعب في قلب عتبة وكان يحترز فسار ليلة من الليالي فلما كان قريباً من الصبح فقال له أصحابه هلكت الركاب فما زالوا به حتى نزل وهو مرعوب وأناخ الإبل حوله كالسرادق فلسط الله عليه الأسد وألقى السكينة على الإبل فجعل الأسد يتخلل حتى افترسه ومزقه فإن قيل نزول هذه السورة كان قبل هذه الوقعة وقوله وَتَبَّ إخبار عن الماضي فكيف يحمل عليه قلنا لأنه كان في معلومه تعالى أنه يحصل ذلك وخامسها تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ حيث لم يعرف حق ربه وَتَبَّ حيث لم يعرف حق رسوله وفي الآية سؤالات
السؤال الأول لماذا كناه مع أنه كالكذب إذا لم يكن له ولد اسمه لهب وأيضاً فالتكنية من باب التعظيم والجواب عن الأول أن التكنية قد تكون اسماً ويؤيذه قراءة من قرأ تبت يدا أبو لهب كما يقال علي بن أبو طالب ومعاوية بن أبو سفيان فإن هؤلاء أسماؤهم كناهم وأما معنى التعظيم فأجيب عنه من وجوه أحدها أنه لما كان اسماً خرج عن إفادة التعظيم والثاني أنه كان اسمه عبد العزي فعدل عنه إلى كنيته والثالث أنه لما كان من أهل النار ومآله إلى نار ذات لهب وافقت حاله كنيته فكان جديراً بأن يذكر بها ويقال أبو لهب كما يقال أبو الشر للشرير وأبو الخير للخير الرابع كنى بذلك لتلهب وجنتيه وإشراقهما فيجوز أن يذكر بذلك تهكماً به واحتقاراً له
السؤال الثاني أن محمداً عليه الصلاة والسلام كان نبي الرحمة والخلق العظيم فكيف يليق به أن