خلف كان ينهى سلمان عن الصلاة
واعلم أن ظاهر الآية أن المراد في هذه الآية هو الإنسان المتقدم ذكره فلذلك قالوا إنه ورد في أبي جهل وذكروا ما كان منه من التوعد لمحمد عليه الصلاة والسلام حين رآه يصلي ولا يمتنع أن يكون نزولها في أبي جهل ثم يعم في الكل لكن ما بعده يقتضي أنه في رجل بعينه
المسألة الثانية قوله أَرَأَيْتَ خطاب مع الرسول على سبيل التعجب ووجه التعجب فيه أمور أحدها أنه عليه السلام قال اللهم أعز الإسلام إما بأبي جعل بن هشام أو بعمر فكأنه تعالى قال له كنت تظن أنه يعز به الإسلام أمثله يعز به الإسلام وهو يَنْهَى عَبْداً إِذَا صَلَّى وثانيها أنه كان يلقب بأبي الحكم فكأنه تعالى يقول كيف يليق به هذا اللقب وهو ينهى العبد عن خدمة ربه أيوصف بالحكمة من يمنع عن طاعة الرحمن ويسجد للأوثانا وثالثها أن ذلك الأحمق يأمر وينهى ويعتقد أنه يجب على الغير طاعته مع أنه ليس بخالق ولا رب ثم إنه ينهى عن طاعة الرب والخالق ألا يكون هذا غاية الحماقة
المسألة الثالثة قال يَنْهَى عَبْداً ولم يقل ينهاك وفيه فوائد أحدها أن التنكير في عبداً يدل على كونه كاملاً في العبودية كأنه يقول إنه عبد لا يفي العالم بشرح بيانه وصفة إخلاصه في عبوديته يروى في هذا المعنى أن يهودياً من فصحاء اليهود جاء إلى عمر في أيام خلافته فقال أخبرني عن أخلاق رسولكم فقال عمر اطلبه من بلال فهو أعلم به مني ثم إن بلالاً دله على فاطمة ثم قاطمة دلته على علي عليه السلام فلما سأل علياً عنه قال صف لي متاع الدنيا حتى أصف لك أخلاقه فقال الرجل هذا لا يتيسر لي فقال علي عجزت عن وصف متاع الدنيا وقد شهد الله على قلته حيث قال قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ فكيف أصف أخلاق النبي وقد شهد الله تعالى بأنه عظيم حيث قال وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ فكأنه تعالى قال ينهى أشد الخلق عبودية عن العبودية وذلك عين الجهل والحمق وثانيها أن هذا أبلغ في الذم لأن المعنى أن هذا دأبه وعادته فينهى كل من يرى وثالثها أن هذا تخويف لكل من نهى عن الصلاة روى عن علي عليه السلام أنه رأى في المصلى أقواماً يصلون قبل صلاة العيد فقال ما رأيت رسول الله ( ﷺ ) يفعل ذلك فقيل له ألا تنهاهم فقال أخشى أن أدخل تحت قوله أَرَأَيْتَ الَّذِى يَنْهَى عَبْداً إِذَا صَلَّى فلم يصرح بالنهي عن الصلاة وأخذ أبو حنيفة منه هذا الأدب الجميل حيث قال له أبو يوسف أيقول المصلي حين يرفع رأسه من الركوع اللهم اغفر لي قال يقول ربنا لك الحمد ويسجد ولم يصرح بالنهي ورابعها أيظن أبو جهل أنه لو لم يسجد محمد لي لا أجد ساجداً غيره إن محمد عد واحد ولي من الملائكة المقربين مالا يحصيهم إلا أنا وهم دائماً في الصلاة والتسبيح وخامسها أنه تفخيم لشأن النبي عليه السلام يقول إنه مع التنكير معرف نظيره الكناية في سورة القدر حملت على القرآن ولم يسبق له ذكر أَسْرَى بِعَبْدِهِ أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ
أَرَءَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى
ثم قال تعالى أَرَءيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى وفيه مسائل


الصفحة التالية
Icon