المسألة الأولى قوله أَرَأَيْتَ خطاب لمن فيه وجهان الأول أنه خطاب للنبي عليه السلام والدليل عليه أن الأول وهو قوله أَرَأَيْتَ الَّذِى يَنْهَى عَبْداً للنبي ( ﷺ ) والثالث وهو قوله أَرَءيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى للنبي عليه الصلاة والسلام فلو جعلنا الوسط لغير النبي لخرج الكلام عن النظم الحسن يقول الله تعالى يا محمد أرأيت إن كان هذا الكافر ولم يقل لو كان إشارة إلى المستقبل كأنه يقول أرأيت إن صار على الهدى واشتغل بأمر نفسه أما كان يليق به ذلك إذ هو رجل عاقل ذو ثروة فلو اختار الدين والهدى والأمر بالتقوى أما كان ذلك خيراً له من الكفر بالله والنهي عن خدمته وطاعته كأنه تعالى يقول تلهف عليه كيف فوت على نفسه المراتب العالية وقنع بالمراتب الدنيئة
القول الثاني أنه خطاب للكافر لأن الله تعالى كالمشاهد للظالم والمظلوم وكالمولى الذي قام بين يديه عبدان وكالحاكم الذي حضر عنده المدعى والمدعى عليه فخاطب هذا مرة وهذا مرة فلما قال للنبي أَرَأَيْتَ الَّذِى يَنْهَى عَبْداً إِذَا صَلَّى التفت بعد ذلك إلى الكافر فقال أرأيت يا كافر إن كانت صلاته هدى ودعاؤه إلى الله أمراً بالتقوى أتنهاه مع ذلك
المسألة الثانية ههنا سؤال وهو أن المذكور في أول الآية هو الصلاة وهو قوله أَرَأَيْتَ الَّذِى يَنْهَى عَبْداً إِذَا صَلَّى والمذكور ههنا أمران وهو قوله أَرَءيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى في فعل الصلاة فلم ضم إليه شيئاً ثانياً وهو قوله أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى جوابه من وجوه أحدها أن الذي شق على أبي جهل من أفعال الرسول عليه الصلاة والسلام هو هذان الأمران الصلاة والدعاء إلى الله فلا جرم ذكرهما ههنا وثانيها أن النبي عليه الصلاة والسلام كان لا يوجد إلا في أحد أمرين إما في إصلاح نفسه وذلك بفعل الصلاة أو في إصلاح غيره وذلك بالأمر بالتقوى وثالثها أنه عليه السلام كان في صلاته على الهدى وآمراً بالتقوى لأن كل من رآه وهو في الصلاة كان يرق قلبه فيميل إلى الإيمان فكان فعل الصلاة دعوة بلسان الفعل وهو أقوى من الدعوة بلسان القول
أَرَءَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى
ثم قال تعالى أَرَءيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى وفيه قولان
القول الأول أنه خطاب مع الرسول عليه الصلاة والسلام وذلك لأن الدلائل التي ذكرها في أول هذه السورة جلية ظاهرة وكل أحد يعلم ببديهة عقله أن منع العبد من خدمة مولاه فعل باطل وسفه ظاهر فإذن كل من كذب بتلك الدلائل وتولى عن خدمة مولاه بل منع غيره عن خدمة مولاه يعلم بعقله السليم أنه على الباطل وأنه لا يفعل ذلك إلا عناداً فلهذا قال تعالى لرسوله أرأيت يا محمد إن كذب هذا الكافر بتلك الدلائل الواضحة وتولى عن خدمة خالقه ألم يعلم بعقله أن الله يرى منه هذه الأعمال القبيحة ويعلمها أفلا يزجره ذلك عن هذه الأعمال القبيحة والثاني أنه خطاب للكافر والمعنى إن كان يا كافر محمد كاذباً أو متولياً ألا يعلم بأن الله يرى حتى ينتهي بل احتاج إلى نهيك
أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى
أما قوله أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ففيه مسألتان
المسألة الأولى المقصود من الآية التهديد بالحشر والنشر والمعنى أنه تعالى عالم بجميع المعلومات


الصفحة التالية
Icon