صريحاً لأنه ربما يرد عليه فتعظم جنايته فههنا أيضاً لم يصرح بالأمر لتخف جناية الراد وثانيها أنا على القول بالحسن والقبح العقليين نقول كأنه تعالى يقول لست أنا الآمر للعبادة فقط بل عقلك أيضاً يأمرك لأن النهاية في التعظيم لمن أوصل إليك ( أن ) نهاية الإنعام واجبة في العقول
المسألة الرابعة اللام في قوله وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ تدل على مذهب أهل السنة حيث قالوا العبادة ما وجبت لكونها مفضية إلى ثواب الجنة أو إلى البعد عن عقاب النار بل لأجل أنك عبد وهو رب فلو لم يحصل في الدين ثواب ولا عقاب البتة ثم أمرك بالعبادة وجبت لمحض العبودية وفيها أيضاً إشارة إلى أنه من عبد الله للثواب والعقاب فالمعبود في الحقيقة هو الثواب والعقاب والحق واسطة ونعم ما قيل من آثر العرفان للعرفان فقد قال بالثائي ومن آثر العرفان لا للعرفان بل للمعروف فقد خاض لجة الوصول
المسألة الخامسة العبادة هي التذلل ومنه طريق معبد أي مذلل ومن زعم أنها الطاعة فقد أخطأ لأن جماعة عبدوا الملائكة والمسيح والأصنام وما أطاعوهم ولكن في الشرع صارت اسماً لكل طاعة الله أديت له على وجه التذلل والنهاية في التعظيم واعلم أن العبادة بهذا المعنى لا يستحقها إلا من يكون واحداً في ذاته وصفاته الذاتية والقعلية فإن كان مثل لم يجز أن يصرف إليه النهاية في التعظيم ثم نقول لا بد في كون الفعل عبادة من شيئين أحدهما غاية التعظيم ولذلك قلنا إن صلاة الصبي ليست بعبادة لأنه لا يعرف عظمة الله فلا يكون فعله في غاية التعظيم والثاني أن يكون مأموراً به ففعل اليهودي ليس بعبادة وإن تضمن نهاية التعظيم لأنه غير مأمور به والنكتة الوعظية فيه أن فعل الصبي ليس بعبادة لفقد التعظيم وفعل اليهودي ليس بعبادة لفقد الأمر فكيف يكون ركوعك الناقص عبادة ولا أمر ولا تعظيم
المسألة السادسة الإخلاص هو أن يأتي بالفعل خالصاً لداعية واحدة ولا يكون لغيرها من الدواعي تأثير في الدعاء إلى ذلك الفعل والنكت والوعظية فيه من وجوه أحدها كأنه تعالى يقول عبدي لا تسع في إكثار الطاعة بل في إخلاصها لأني ما بذلت كل مقدوري لك حتى أطلب منك كل مقدورك بل بذلت لك البعض فأطلب منك البعض نصفاً من العشرين وشاة من الأربعين لكن القدر الذي فعلته لم أرد بفعله سواك فلا ترد بطاعتك سواي فلا تستثن من طاعتك لنفسك فضلاً من أن تستثنيه لغيرك فمن ذلك المباح الذي يوجد منك في الصلاة كالحكة والتنحنح فهو حظ استثنيته لنفسك فانتفى الإخلاص وأما الإلتفات المكروه فذا حظ الشيطان وثانيها كأنه تعالى قال يا عقل أنت حكيم لا تميل إلى الجهل والسفه وأنا حكيم لا أفعل ذلك البتة فإذاً لا تريد إلا ما أريد ولا أريد إلا ما تريد ثم إنه سبحانه ملك العالمين والعقل ملك لهذا البدن فكأنه تعالى بفضله قال الملك لا يخدم الملك لكن ( لكي ) نصطلح أجعل جميع ما أفعله لأجلك هُوَ الَّذِى خَلَقَ لَكُم فِى الاْرْضِ جَمِيعاً فاجعل أنت أيضاً جميع ما تفعله لأجلي وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ
واعلم أن قوله مُخْلِصِينَ نصب على الحال فهو تنبيه على ما يجب من تحصيل الإخلاص منابتداء الفعل إلى انتهائه والمخلص هو الذي يأتي بالحسن لحسنه والواجب لوجوبه فيأتي بالفعل لوجهه


الصفحة التالية
Icon