أن هذه الرؤية أجلى والحكمة في النقل من العلم الأخفى إلى الأجلى التفريع على ترك النظر لأنهم كانوا يقتصرون على الظن ولا يطلبون الزيادة
المسألة السابعة قراءة العامة لترون بفتح التاء وقرىء بضمها من رأيته الشيء والمعنى أنهم يحشرون إليها فيرونها وهذه القراءة تروي عن ابن عامر والكسائي كأنهما أرادا لترونها فترونها ولذلك قرأ الثانية ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا بالفتح وفي هذه الثانية دليل على أنهم إذا أروها رأوها وفي قراءة العامة الثانية تكرير للتأكيد ولسائر الفوائد التي عددناها واعلم أن قراءة العامة أولى لوجهين الأول قال الفراء قراءة العامة أشبه بكلام العرب لأنه تغليظ فلا ينبغي أن الجحيم لفظه الثاني قال أبو علي المعنى في لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ لترون عذاب الجحيم ألا ترى أن الجحيم يراها المؤمنون أيضاً بدلالة قوله وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا وإذا كان كذلك كان الوعيد في رؤية عذابها لا في رؤية نفسها يدل على هذا قوله إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ وقوله وَإِذَا رَأى الَّذِينَ ظَلَمُواْ الْعَذَابَ وهذا يدل على أن لترون أرجح من لترون
ثُمَّ لَتُسْألُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ
قوله تعالى الْيَقِينِ ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ فيه قولان
المسألة الأولى في أن الذي يسأل عن النعيم من هو فيه قولان
أحدهما وهو الأظهر أنهم الكفار قال الحسن لا يسأل عن النعيم إلا أهل النار ويدل عليه وجهان الأول ما روى أن أبا بكر لما نزلت هذه الآية قال يا رسول الله أرأيت أكلة أكلتها معك في بيت أبي الهيثم بن التيهان من خبز شعير ولحم وبسر وماء عذب أن تكون من النعيم الذي نسأل عنه فقال عليه الصلاة والسلام إنما ذلك للكفار ثم قرأ وَهَلْ نُجْزِى إِلاَّ الْكَفُورَ والثاني وهو أن ظاهر الآية يدل على ما ذكرناه وذلك لأن الكفار ألهاهم التكاثر بالدنيا والتفاخر بلذاتها عن طاعة الله تعالى والاشتغال بشكره فالله تعالى يسألهم عنها يوم القيامة حتى يظهر لهم أن الذي ظنوه سبباً لسعادتهم هو كان من أعظم أسباب الشقاء لهم في الآخرة
والقول الثاني أنه عام في حق المؤمن والكافر واحتجوا بأحاديث روى أبو هريرة عن النبي ( ﷺ ) أنه قال ( أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة عن النعيم فيقال له ألم نصحح لك جسمك ونروك من المار البارد ) وقال محمود بن لبيد لما نزلت هذه السورة قالوا يا رسول الله عن أبي نعيم نسأل إنما هما الماء والتمر وسيوفنا على عواتقنا والعدو حاضر فعن أي نعيم نسأل قال ( إن ذلك سيكون ) وروى عن عمر أنه قال أي نعيم نسأل عنه يا رسول الله وقد أخرجنا من ديارنا وأموالنا فقال ( ﷺ ) ( ظلال المساكن والأشجار والأخبية التي تقيكم من الحر والبرد والماء البارد في اليوم الحار ) وقريب منه ( من أصبح آمناً في سربه معافى في بدنه وعنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ) وروى أن شاباً أسلم في عهد رسول الله ( ﷺ ) فعلمه رسول الله سورة ألهاكم ثم زوجه رسول الله امرأة فلما دخل عليها ورآى الجهاز العظيم والنعيم الكثير خرج وقال لا أريد ذلك فسأله النبي عليه الصلاة والسلام عنه فقال ألست علمتني ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ


الصفحة التالية
Icon